فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ١٥٦
1490 - (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع وقلب لا يخشع ودعاء لا يسمع ونفس لا تشبع ومن الجوع) الألم الذي ينال الحيوان من خلو المعدة (فإنه بئس الضجيع) المضاجع لأنه يمنع استراحة البدل ويحلل المواد المحمودة بلا بدل ويشوش الدماغ ويثير الأفكار الفاسدة والخيالات الباطلة ويضعف البدن عن القيام بالطاعة والمراد الجوع الصادق وآيته أن تكتفي نفسه بالخبز بلا آدم ذكره كله القاضي وقال الطيبي خص الضجيع بالجوع لينبه على أن المراد الجوع الذي يلازمه ليلا ونهارا ومن ثم حرم الوصال ومثله يضعف الإنسان عن القيام بوظائف العبادات سيما قيام التهجد والبطانة بالخيانة لأنها ليست كالجوع الذي يتضرر به صاحبه فحسب بل هي سارية إلى الغير فهي وإن كانت بطانة لحاله لكن يجري سريانه إلى الغير مجرى الظهارة وسئل بعضهم كيف تمدح الصوفية بالجوع مع استعاذة المصطفى صلى الله عليه وسلم منه فقال: إنما مدحوا الجوع المشروع لكونه مطلوبا للسالك ليخرج عن تحكم الشهوات البهيمية فيه فإذا خرج عنها نار هيكله وأدرك بالنور الحق والباطل وحينئذ يكون جوع مطيته الحاملة له إلى حضرة مولاه ظلم لها ونظيره الإيثار فإنه إنما مدح ليتخلص من ورطة الشره والحرص الكامل في طبعه وبخروجه لم يبق ما يخاف منه فيطالب حينئذ بالبداءة لنفسه لكونها أقرب جار إليه وإليه أشار بخبر ابدأ بنفسك وأنشدوا في مدح الجوع في أول السلوك.
الجوع موت أبيض * * وهو من أعلام الهدى ما لم يؤثر خلا * * فهو دواء هودا فاحكم به تكن به * * موقفا مسددا وأنشدوا في ذم الجوع غير المشروع:
جوع العوائد محمود فلست أرى * * فيما أراه من استعماله بأسا الجوع بأس ضجيع العبد جاء به * * لفظ النبي فلا ترفع به رأسا جوع الطبيعة مذموم وليس يرى * * فيه المحقق بالرحمن إيناسا أي جوع الأكابر اضطرار لا اختيار لوجوب العدل عليهم في رعاياهم حتى انقادت ولم يكن الجوع مطلوبا لها إلا حال عتوها وأنفتها عن الطاعة فهو كان عقوبة لها من باب * (وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون) * [الأعراف: 168] (ومن الخيانة) مخالفة الحق بنقض العهد في السر (فإنها بئست البطانة) بالكسر أي بئس الشئ الذي يستبطنه من أمره ويجعله بطانة قال في المغرب بطانة الرجل أهله وخاصته مستعار من بطانة الثوب وقال الراغب: تستعار البطانة لمن تخصه بالاطلاع عليه باطن أمرك وقال القاضي: البطانة أصلها في الثوب فاستعيرت لما يستبطن الرجل من أمره ويجعله بطانة حاله والخيانة تكون في المال والنفس والعداد والكيل والوزن والزرع وغير ذلك (ومن الكسل والبخل
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»