فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ١٦١
في هذه الرواية وجاء في رواية إثباتها فيهما وفي أخرى حذفها فيهما (ومن فتنة المسيح) بفتح الميم وخفة السين وبحاء مهملة سمي به لكون إحدى عينيه ممسوحة أو لمسح الخير منه فعيل بمعنى مفعول أو لمسحه الأرض أو قطعها في أمد قليل فهو بمعنى فاعل وقيل هو بخاء معجمة ونسب قائله إلى التصحيف (الدجال) احتراز عن عيسى عليه السلام من الدجل الخلط أو التغطية أو الكذب أو غير ذلك وهو عدو الله المموه واسمه صافن وكنيته أبو يوسف وهو يهودي وإنما استعاذ منه مع كونه لا يدرك نشرا لخبره بين أمته جيلا بعد جيل لئلا يلتبس كفره على مدركه.
(اللهم اغسل) أزل (عني خطاياي) أي ذنوبي لو فرض أن لي ذنوبا (بالماء والثلج والبرد) بفتحتين حب الغمام جمع بينهما مبالغة في التطهير أي طهر بي منها بأنواع مغفرتك وخصها لأنها لبردها أسرع لإطفاء حر عذاب النار التي هي غاية الحر وجعل الخطايا بمنزلة جهنم لكونها سببها فعبر عن إطفاء حرها بذلك وبالغ باستعمال المبردات مترقيا عن الماء إلى أبرد منه وهو الثلج ثم إلى أبرد منه وهو البرد بدليل جموده ومصيره جليدا والثلج يذوب (ونق) بفتح النون وشد القاف (قلبي) الذي هو بمنزلة ملك الأعضاء واستقامتها باستقامته (من الخطايا) تأكيد للسابق ومجاز عن إزالة الذنوب ومحو أثرها (كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس) بفتح الدال والنون أي الوسخ وفي رواية لمسلم من الدرن (وباعد) أي أبعد وعبر بالمفاعلة مبالغة (بيني وبين خطاياي) كرر بين هنا دون ما بعده لأن العطف على الضمير المجرور يعاد فيه الخافض أي ذنوبي والخطئ بالكسر الذنب (كما باعدت) أي كتبعيدك (بين المشرق) موضع الشروق وهو مطلع الأنوار (والمغرب) أي محل الأفول وهذا مجاز لأن حقيقة المباعدة إنما هي في الزمان والمكان أي امح ما حصل من ذنوبي وحل بيني وبين ما يخاف من وقوعها حتى لا يبقى لها اقتراب مني بالكلية فما مصدرية والكاف للتشبيه وموقع التشبيه أن التقاء المشرق والمغرب محال فشبه بعد الذنب عنه ببعد ما بينهما والثلاثة إشارة لما يقع في الأزمنة الثلاثة فالمباعدة للمستقبل والتنقية للحال والغسل للماضي والنبي معصوم وإنما قصد تعليم الأمة أو إظهار العبودية (ق) في الدعوات (ت) بتقديم وتأخير (ن ه) مختصرا كلهم (عن عائشة) وخرجه الحاكم بزيادة.
1497 - (اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وأجله ما علمت منه وما لم أعلم) الآجل على فاعل خلاف العاجل في الصحاح الآجل والآجلة ضد العاجل والعاجلة (وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم) هذا من جوامع الكلم والدعاء وأحب الدعاء إلى الله وأعجبه إليه الجوامع. قال الراغب: وفيه تنبيه على أن حق العاقل أن يرغب إلى الله أن يعطيه من الخيور ما فيه
(١٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 ... » »»