فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ١٥٨
والنفوس كالمعارف ويرشح الأول قوله (علي عند كبر سني وانقطاع عمري) أي إشرافه على الانقطاع والرحيل من هذه الدار فإن الإنسان عند الشيخوخة قليل القوة ضعيف الكد عاجز عن السعي فإذا وسع الله عليه رزقه حين ذلك كان عونا له على العبادة (ك) عن سعدوية عن عيسى بن ميمون عن القاسم (عن عائشة) قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر هذا الدعاء اللهم إلى آخره قال الحاكم حسن غريب ورده الذهبي بأن عيسى متهم أي بالوضع ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه نعم رواه الطبراني بسند قال فيه الهيثمي إنه حسن وبه تزول التهمة.
1492 - (اللهم إني أسألك العفة) بالكسر العفاف يعني التنزه عما لا يباح والكف عنه (والعافية في دنياي وديني) ويندرج تحته الوقاية من كل مكروه (وأهلي ومالي اللهم استر عورتي) أي عيوبي وخللي وتقصيري والعورة سوءة الإنسان وكل ما يستحيي من ظهوره وهذا وما أشبهه تعليم للأمة (وآمن روعتي) من الروع بالفتح الفزع وفي رواية عوراتي وروعاتي بلفظ الجمع وفيه من أنواع البديع جناس القلب (واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بك) وفي رواية وأعوذ بعظمتك (أن أغتال) بضم الهمزة أي أهلك. قال الراغب: الغول إهلاك الشئ من حيث لا يحس به (من تحتي) أي أدهى من حيث لا أشعر بخسف أو غيره استوعب الجهات الست بحذافيرها لأن ما يلحق الإنسان من نحو نكبة وفتنة إنما يصله من أحدها وتخصيص جهة السفل بقوله وأعوذ بعظمتك إلى آخره إدماج بمعنى قوله تعالى * (ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب) * [الأعراف: 176] وما أحسن قوله بعظمتك في هذا المقام (البزار) في مسنده (عن ابن عباس) قال الهيثمي فيه يونس بن حبان وهو ضعيف انتهى. وظاهر صنيع المؤلف أنه لا يوجد في أحد دواوين الإسلام الستة وإلا لما عدل عنه وهو تقصير أو قصور فقد خرجه أبو داود وابن ماجة وكذا الحاكم وصححه من حديث ابن عمر قال لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الكلمات حين يمسي وحين يصبح انتهى فاقتصار المصنف على البزار خلاف اللائق.
1493 - (اللهم إني أسألك إيمانا يباشر قلبي) أي يلابسه ويخالطه فإن الإيمان إذا تعلق بظاهر القلب وأحب الدنيا والآخرة وإذا بطن الإيمان سويد القلب وباشره أبغض الدنيا فلم ينظر إليها ذكره حجة الإسلام (حتى أعلم) أجزم وأتيقن (إنه لا يصيبني إلا كتبت لي) أي قدرته علي في العلم القديم الأزلي أو في اللوح المحفوظ (ورضني من المعيشة بما قسمت لي) أي وأسألك أن ترزقني الرضا بالذي قسمته لي وفي نسخة ورضني بما قسمت لي أي أعطني الرضا بما قسمت لي من الرزق فلا أسخطه ولا
(١٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 ... » »»