بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٧ - الصفحة ٥٦
قوله تعالى: " وما أرسلنا من قبلك " قال الرازي: ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية أن الرسول لما رأى إعراض قومه عنه شق عليه ما رأى من مباعدتهم عما جاءهم به تمنى في نفسه أن يأتيهم من الله ما يقارب بينه وبين قومه، وذلك لحرصه على إيمانهم فجلس ذات يوم في ناد (1) من أندية قريش كثير أهله، وأحب يومئذ أن لا يأتيه من الله شئ ينفروا عنه، وتمنى ذلك فأنزل تعالى سورة " النجم (2) إذا هوى " فقرأها رسول الله صلى الله عليه وآله حتى بلغ " أفرأيتم اللات والعزى * ومناة الثالثة الأخرى " ألقى الشيطان على لسانه " تلك الغرانيق (3) العلى * منها الشفاعة ترتجى " فلما سمعت قريش فرحوا، ومضى رسول الله صلى الله عليه وآله في قراءته وقرأ السورة كلها فسجد المسلمون لسجوده، وسجد جميع من في المسجد من المشركين، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد سوى الوليد ابن المغيرة وسعيد بن العاص، فإنهما أخذا حفنة (4) من البطحاء ورفعاها إلى جبهتيهما وسجدا عليها، لأنهما كانا شيخين كبيرين لم يستطيعا السجود، وتفرقت قريش وقد سرهم ما سمعوا، وقالوا: قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر، فلما أمسى رسول الله صلى الله عليه وآله أتاه جبرئيل عليه السلام فقال: ماذا صنعت؟ تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله؟ وقلت: ما لم أقل

(١) النادي: المجلس.
(٢) في المصدر: والنجم.
(٣) في النهاية: الغرانيق ههنا الأصنام، وهي في الأصل: الذكور من طير الماء واحدها غرنوق وغرنيق، سمى به لبياضه، وقيل: هو الكركي، والغرنوق أيضا الشاب الناعم الأبيض، وكانوا يزعمون أن الأصنام تقربهم من الله وتشفع لهم، فشبهت بالطيور التي تعلو في السماء وترتفع انتهى أقول: حديث الغرانيق من الخرافات التي روتها العامة، وهو موضوع مما لا أصل له، والعجب من علماء أهل السنة كيف رووه في كتبهم وفيه إزراء شنيع للرسول المطهر صلى الله عليه وآله وهتك لقداسته وحرمته، فكيف يجوز لمسلم آمن بالله وعرف رسوله وصدقه أن يتفوه بمثل هذا الكلام في حق النبي الذي لا ينطق إلا عن الوحي ولا يفعل إلا ما فيه رضا الرب، فلو كان يثبت ذلك فهل يمكن أن يعتمد على قول من هذا قوله وفعاله، أليس يشك كل من سمع منه حكما من أحكام الدين في أنه هل أوحى إليه بذلك أو ألقى الشيطان في أمنيته، نعوذ بالله من الضلال والخذلان واتباع وساوس الشيطان.
(4) الحفنة: ملء الكفين. وفى المصدر: أخذا حفنة من التراب من البطحاء.
(٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 13: وجوب طاعته وحبه والتفويض إليه صلى الله عليه وآله وفيه 29 حديثا. 1
3 باب 14: باب العشرة معه وتفخيمه وتوقيره في حياته وبعد وفاته صلى الله عليه وآله وفيه 16 حديثا. 15
4 باب 15: عصمته وتأويل بعض ما يوهم خلاف ذلك فيه 21 حديثا. 34
5 باب 16: سهوه ونومه صلى الله عليه وآله عن الصلاة، فيه 17 حديثا. 97
6 باب 17: علمه صلى الله عليه وآله وما دفع إليه من الكتب والوصايا وآثار الأنبياء عليهم السلام ومن دفعه إليه وعرض الأعمال عليه وعرض أمته عليه وأنه يقدر على معجزات الأنبياء فيه 62 حديثا. 130
7 باب 18: فصاحته وبلاغته صلى الله عليه وآله فيه حديثان. 156
8 * أبواب معجزاته صلى الله عليه وآله * باب 1: إعجاز أم المعجزات: القرآن الكريم وفيه بيان حقيقة الإعجاز وبعض النوادر. فيه 24 حديثا. 159
9 باب 2: جوامع معجزاته صلى الله عليه وآله ونوادرها. فيه 18 حديثا. 225
10 باب 3: ما ظهر له صلى الله عليه وآله شاهدا على حقيته من المعجزات السماوية والغرائب العلوية من انشقاق القمر و رد الشمس وحبسها وإضلال الغمامة وظهور الشهب ونزول الموائد والنعم من السماء وما يشاكل ذلك زائدا على ما مضى في باب جوامع المعجزات فيه 19 حديثا. 347
11 باب 4: معجزاته صلى الله عليه وآله في إطاعة الأرضيات من الجمادات والنباتات له وتكلمها معه صلى الله عليه وآله. فيه 59 حديثا. 363
12 باب 5: ما ظهر من إعجازه صلى الله عليه وآله في الحيوانات بأنواعها وإخبارها بحقيته، وفيه كلام الشاة المسمومة زائدا على ما مر في باب جوامع المعجزات. فيه 47 حديثا. 390