لا لفاحشة في الذين آمنوا) * (النور: 19) الآية، لان ظاهرها أنهم يحبون ذلك لأجل إيمانهم وذلك صفة الكافر، ولأن مقصود الشاهد ارتفاعها لا إشاعتها وكذا لا يعارض أفضلية الستر آية النهي عن كتمانها لأنها في حقوق العباد بدليل قوله تعالى: * (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) * (البقرة: 282) إذ الحدود لا مدعى فيها. ورد قول من قال إنها في الديون بأن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب كما ذكره الرازي، أو لأنه عام مخصوص بأحاديث الستر التي بلغت مبلغا لا ينحط عن درجة الشهرة لتعدد متونها مع قبول الأمة لها، أو هي مستند الاجماع على تخيير الشاهد في الحدود كما يفهم من البحر. وتمام الكلام على ذلك فيه، فراجعه فإنه مهم. قوله: (ولحديث من ستر ستر) الذي في الفتح من ستر على مسلم ستره الله تعالى وأفاد أنه في الصحيحين. قوله: (إلا لمتهتك بحر) وفيه عن الفتح. وإذا كان الستر مندوبا إليه ينبغي أن تكون الشهادة به خلاف الأولى التي مرجعها إلى كراهة التنزيه لأنها في رتبة الندب في جانب الفعل وكراهة التنزيه في جانب الترك، وهذا يجب أن يكون بالنسبة إلى من لم يعتد الزنا ولم يتهتك به، أما إذا وصل الحال إلى إشاعته والتهتك به، بل بعضهم ربما افتخر به فيجب كون الشهادة أولى من تركها، لان مطلوب الشارع إخلاء الأرض من المعاصي والفواحش بالخطابات المفيدة لذلك، وذلك يتحقق بالتوبة من الغافلين وبالزجر لهم، فإذا ظهر حال الشهرة في الزنا مثلا والشرب وعدم المبالاة به وإشاعته، فإخلاء الأرض المطلوب حينئذ بالتوبة احتمال يقابله ظهور عدمها ممن اتصف بذلك، فيجب تحقيق السبب الآخر للاخلاء وهو الحدود، خلاف من زنى مرة أو مرارا مستترا متخوفا متندما عليه فإنه محل استحباب ستر الشاهد، وقوله عليه الصلاة والسلام لهزال في ماعز لو كنت سترته بثوبك الحديث، وذكره في غير مجلس القاضي بمنزلة الغيبة يحرم منه ما يحرم منها ويحل منه ما يحل منها اه. قوله: (والأولى الخ) هذا كالاستدراك على قوله أبر، لأنه ربما يفيد عدم التعرض بالشهادة في السرقة أصلا ويلزم منه ضياع حق الغير، فاستثنى السرقة وأثبت لها حكما خاصا، وهو أنه يأتي بلفظ يفيد الضمان من غير قطع. فاستثنى السرقة وأثبت لها حكما خاصا، وهو أنه يأتي بلفظ يفيد الضمان من غير قطع. قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى: وفيه إشارة إلى أن المراد ستر أسباب الحدود اه. وبه ظهر الجواب. قوله: (أخذ) الاخذ أعم من كونه غصبا أو على ادعاء أنه ملكه مودعا عند المأخوذ منه وغير ذلك، فلا تستلزم الشهادة بالأخذ مطلقا ثبوت الحد بها. كمال.
لكن قد يقال مع هذا الاحتمال لا إحياء للحق فيه ط.
قال في البحر: ولا يقول سرق محافظة على الستر، ولأنه لو ظهرت السرقة لوجب القطع والضمان لا يجامع القطع فلا يحصل إحياء حقه. وصرح في غاية البيان بأن قوله أخذ أولى من سرق، وعلى هذا فيحمل قول القدوري: وجب أن يقول أخذ على معنى ثبت لا الوجوب الفقهي، وقوله في العناية: فتعين ذلك مع قوله لا يجوز: أي أن يقول سرق تسامح، وإنما الكلام في الأفضل، وكل منهما جائز اه.
(وفيه لطيفة) حكى الفخر الرازي في التفسير: أن هارون الرشيد كان مع جماعة من الفقهاء وفيهم أبو يوسف، فادعى رجل على آخر بأنه أخذ ماله من بيته فأقر بالأخذ، فسأل الفقهاء فأفتوا بقطع يده، فقال أبو يوسف: لا، لأنه لم يقر بالسرقة وإنما أقر بالأخذ، فادعى المدعي أنه سرق فأقر بها فأفتوا بالقطع. وخالفهم أبو يوسف فقالوا له: لم؟ قال: لأنه لما أقر أولا بالأخذ ثبت الضمان عليه وسقط