البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٣ - الصفحة ٥١٩
نصرح بذكر المستعار أعني السبع بل اقتصرنا على ذكر لازمه لينتقل منه إلى المقصود كما هو شأن الكناية، فالمستعار هو لفظ السبع الغير المصرح به، والمستعار منه هو الحيوان المفترس، والمستعار له هو المنية إلى آخره. وفي أصول الفقه قال في التنقيح: ثم كل واحد من الحقيقة والمجاز إذا كان في نفسه بحيث لا يستتر المراد فصريح وإلا فكناية، فالحقيقة التي لم تهجر صريح، والتي هجرت وغلب معناها المجازي كناية، والمجاز الغالب الاستعمال صريح، وغير الغالب كناية. وعند علماء البيان الكناية لفظ يقصد بمعناه معنى ثان ملزوم له وهي لا تنافي إرادة الموضوع له فإنها استعملت فيه لكن قصد بمعناه معنى ثان كما في طويل النجاد بخلاف المجاز فإنه استعمل في غير ما وضع له فينافي إرادة الموضوع له ا ه‍. واحترز بقوله في نفسه عن انكشاف المراد فيها بواسطة التفسير والبيان ودخل فيها المشكل والمجمل. وفي الفقه هنا ما احتمل الطلاق وغيره قوله: (لا تطلق بها إلا بنية أو دلالة الحال) أي لا تطلق بالكنايات قضاء إلا بإحدى هذين لأنها غير موضوعة للطلاق بل موضوعة لما هو أعم منه.
ومن حكمه لما سيأتي أن ما عدا الثلاث منها لم يرد بها الطلاق أصلا بل ما هو حكمه من البينونة من النكاح. والمراد بدلالة الحال الحالة الظاهرة المفيدة لمقصوده، ومنها تقدم ذكر الطلاق كما في المحيط: لو قال لها أنت طالق إن شئت واختاري فقالت شئت واخترت يقع طلاقان: أحدهما بالمشيئة والآخر بالاختيار من غير نية لتقدم الصريح عليها. والحال في اللغة صفة الشئ يذكر ويؤنث. يقل حال حسن وحسنة. كذا في المصباح قيدنا بالقضاء لأنه لا يقع ديانة إلا بالنية ولا عبرة بدلالة الحال كما إذا قال أنت طالق ونواه عن الوثاق لا يقع ديانة. وفي المجتبى عن صدر القضاء في شرح الجامع الصغير: إذا قال لم أنو الطلاق فعليه اليمين إن ادعت الطلاق، وإن لم تدع يحلف أيضا حقا لله تعالى ن. قال أبو نصر قلت لمحمد بن سلمة: يحلفه الحاكم أم هي تحلفه؟ قال: يكتفى بتحليفها إياه من منزله فإذا حلفته فحلف فهي امرأته وإلا رافعته إلى القاضي، فإن نكل عن اليمين عنده فرق بينهما ا ه‍. وفي البزازية: وفي كل موضع تشترط النية ينظر المفتي إلى سؤال السائل، إن قال قلت كذا هل يقع يقول نعم إن نويت، وإن قال كم يقع يقول واحدة ولا يتعرض لاشتراط النية.
قوله: (فتطلق واحدة رجعية في اعتدى واستبرى رحمك وأنت واحدة) لأن الأولى تحتمل الاعتداد من النكاح ومن نعم الله تعالى فتعين الأول بالنية، ويقتضي طلاقا سابقا وهو يعقب الرجعة إن كان بعد الدخول، وأما قبله فهو مجاز عن كوني طالقا من إطلاق الحكم وإرادة العلة. ولا يجعل مجازا عن طلقي لأنه لا يقع به طلاق، ولا عن أنت طالق أو طلقتك
(٥١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 514 515 516 517 518 519 520 521 522 523 524 ... » »»
الفهرست