البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٣ - الصفحة ١٣٢
شهادة من شهد أنه الثامن لأن اعتقاد الثامن إنما يكون بناء على أن أول ذي الحجة ثبت بإكمال عدة ذي القعدة واعتقاده التاسع بناء على أنه رؤي قبل الثلاثين من ذي القعدة، فهذه شهادة على الاثبات والقائلون أنه الثامن حاصل ما عندهم نفي محض وهو أنهم لم يروه ليلة الثلاثين من ذي القعدة ورآه الذين شهدوا فهي شهادة لا معارض لها اه‍. فحاصله أن الشهادة على خلاف ما وقف الناس لا يثبت بها شئ مطلقا، سواء كان قبله أو بعده.
وهو إنما يتم أن لو انحصر التصوير فيما ذكره بل صورته لو وقف الإمام بالناس ظنا منه أنه يوم التاسع من غير أن يثبت عنده رؤية الهلال فشهد قوم أنه اليوم الثامن فقد تبين خطأ ظنه والتدارك ممكن فهي شهادة لا معارض لها. ولهذا قال في المحيط: لو وقفوا يوم التروية على ظن أنه يوم عرفة لم يجزهم. وبهذا التقرير علم أن المسألة تحتاج إلى تفصيل ولا بدع فيه بل هو متعين. وقد بقي هنا مسألة ثالثة وهي ما إذا شهدوا يوم التروية والناس بمنى أن هذا اليوم يوم عرفة ينظر، فإن أمكن الإمام أن يقف مع الناس أو أكثرهم نهارا قبلت شهادتهم قياسا واستحسانا للتمكن من الوقوف، فإن لم يقفوا عشية فاتهم الحج، وإن أمكنه أن يقف معهم ليلا لا نهارا فكذلك استحسانا، وإن لم يمكنه أن يقف ليلا مع أكثرهم لا تقبل شهادتهم ويأمرهم أن يقفوا من الغد استحسانا، والشهود في هذا كغيرهم كما قدمناه. وفي الفتاوى الظهيرية: ولا ينبغي للإمام أن يقبل في هذا شهادة الواحد والاثنين ونحو ذلك قوله: (ولو ترك الجمرة الأولى في اليوم الثاني رمى الثلاث أو الأولى فقط) بيان لكون الترتيب في الجمار الثلاث في اليوم الثاني ليس بشرط ولا واجب وإنما هو سنة ولهذا قدم قوله رمى الثلاث لمراعاة الترتيب المسنون لأن كل جمرة قربة قائمة بنفسها لا تعلق لها بغيرها وليس بعضها تابعا لبعض بخلاف السعي قبل الطواف أو الطواف قبل الوقوف فإنه شرع مرتبا على وجه اللزوم فلم يدخل وقته، ولولا ورود النص في قضاء الفوائت بالترتيب قلنا لا يلزم فيها أيضا لأن كل صلاة عبادة مستقله، وبخلاف البداءة بالمروة لأن البداءة من الصفا ثبت بالنص وهو قوله عليه السلام ابدؤوا بما بدأ الله به بصيغة الامر بخلاف الترتيب في الجمار الثلاث فإنه ثبت بالفعل وهو لا يفيد أكثر من السنة.
قوله: (ومن أوجب حجا ماشيا لا يركب حتى يطوف للركن) أي بأن نذر الحج ماشيا وفيه إشارة إلى وجوب المشي لأن عبارة المختصر عبارة الجامع الصغير وهي كلام المجتهد أعني أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه على ما نقله محمد عنه فيه وهو إخبار المجتهد وإخباره
(١٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 ... » »»
الفهرست