البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٢ - الصفحة ٦١٣
إبراهيم أيما أفضل للحاج أن يرمي راجلا أو راكبا؟ فقلت: راجلا. فخطأني ثم قلت: راكبا فخطأني ثم قال: ما كان يوقف عندها فالأفضل أن يرميها راجلا. وما لا يوقف عندها فالأفضل أن يرميها راكبا. قال: فخرجت من عنده فما بلغت الباب حتى سمعت صراخ النساء أنه قد توفي إلى رحمة الله تعالى، فلو كان شئ أفضل من مذاكرة العلم لاشتغل به في هذه الحالة لأن هذه الحالة حالة الندامة والحسرة ا ه‍. وأما قول أبي حنيفة ومحمد فعلى ما في فتاوي قاضيخان أن الرمي كله راكبا أفضل في قول أبي حنيفة ومحمد، وعلى ما في فتاوي الظهيرية أن الرمي كله ماشيا أفضل فإن ركب إليها فلا بأس به يعني عندهما لأنه حكي قول أبي يوسف بعده، فتحصل أن في هذه المسألة ثلاثة أقوال. ورجح في فتح القدير ما في الظهيرية لأن أداءها ماشيا أقرب إلى التواضع والخشوع وخصوصا في هذا الزمان فإن عامة المسلمين في جميع الرمي فلا يؤمن من الأذى بالركوب بينهم بالزحمة. ورميه عليه السلام راكبا إنما هو ليظهر فعله ليقتدي به كطوافه راكبا ا ه‍. ولو قيل بأنه ماشيا أفضل إلا في رمي جمرة العقبة في اليوم الأخير فهو راكبا أفضل لكان له وجه باعتبار أنه ذاهب إلى مكة في هذه الساعة كما هو العادة وغالب الناس راكب فلا إيذاء في ركوبه مع تحصيل فضيلة الاتباع له صلى الله عليه وسلم قوله: (ويكره أن تقدم ثقلك إلى مكة وتقيم بمنى للرمي) لاثر ابن أبي شيبة عن ابن عمر رضي الله عنه من قدم ثقله قبل النفر فلا حج له وأراد نفي الكمال ولأنه يوجب شغل قلبه وهو في العبادة فيكره، والظاهر أنها تنزيهية. والثقل متاع المسافر وحشمه وهو بفتحتين وجمعه أثقال. وأشار إلى أنه يكره ترك أمتعته بمكة والذهاب إلى عرفات بالطريق الأولى لأنها العبادة المقصودة بخلاف الرمي، وينبغي أن يكون محل الكراهة في المسألتين عند عدم الامن عليها بمكة أما أن أمن فلا لعدم شغل القلب قوله: (ثم إلى المحصب) أي ثم رح إليه وهو بضم الميم وفتح المهملتين وهو الأبطح موضع ذات حصى بين منى ومكة وليست المقبرة منه وكانت الكفار اجتمعوا فيه وتحالفوا على إضرار رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل عليه السلام فيه إراءة لهم لطيف صنع الله به وتكريمه بنصرته فصار ذلك سنة كالرمل في الطواف. وعبارة المجمع
(٦١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 608 609 610 611 612 613 614 615 616 617 618 ... » »»
الفهرست