البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ٢٦٠
الصحيحين أيضا من حديث عمار إنما يكفيك أن تضرب بيدك الأرض ولم يقل التراب.
وما رواه البخاري من أنه صلى الله عليه وسلم تيمم على الجدار. قال الطحاوي: حيطان المدينة مبنية من حجارة سود من غير تراب، ولو لم تثبت الطهارة بهذا التيمم لما فعله صلى الله عليه وسلم. وأما رواية وترابها طهورا فالجمهور على خلافه، وأن الثابت وتربتها ولا يراد بها التراب بل مكان تربتها ما يكون فيه من التراب والرمل وغيره من جنس الأرض، ولم سلم فالاستدلال به عمل بمفهوم اللقب وهو ليس بحجة عند الجمهور، وما قد يتوهم أن هذا يخصص رواية الأرض لأنه فرد من أفراد العام فخطأ لأن التخصيص إخراج الفرد من حكم العام وهذا ربط حكم العام نفسه ببعض أفراده. كذا في فتح القدير بمعناه، ويدل له ما ذكر في البدائع أن الجمهور أنه إذا وافق خاص عاما لم يخصصه خلافا لأبي ثور كقوله أيما أهاب وكقوله في شاة ميمونة دباغها طهورها. لنا: لا تعارض فالعمل بهما واجب. فإن قيل المفهوم مخصص عند قائليه فذكرها يخرج غيرها قلنا: أما على أصلنا فظاهر ومن أجاز المفهوم فبغير اللقب ا ه‍. وكذا ذكر ابن الحاجب في أصوله وبهذا اندفع ما ذكره النووي في شرح مسلم أنه من قبيل حمل المطلق على المقيد. قال القرطبي في تفسيره: وقولهم هذا من باب المطلق والمقيد فليس كذلك وإنما هو من باب النص على بعض أشخاص العموم كقوله تعالى * (فيهما فاكهة ونخل ورمان) * (الرحمن: 68) ا ه‍. وعلى تسليم أنهما منه وقولهم أن مفهوم اللقب حجة إذا اقترن بقرينة وهي هنا موجودة لأنه لولا أن الحكم متعلق بالمذكور لم يكن لذكره فائدة قلنا: إنه إنما ذكره جريا على الغالب وإشارة إلى أنه الأصل.
قوله: (وإن لم يكن عليه نقع وبه بلا عجز) أي وإن لم يكن على جنس الأرض غبار حتى لو وضع يده على حجر لا غبار عليه يجوز. وقال محمد: لا يجوز لظاهر قوله تعالى * (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) * (النساء: 43) قلنا: من للابتداء في المكان إذ لا يصح فيها ضابط التبعيضية وهو وضع بعض موضعها والباقي بحاله إذ لو قيل فامسحوا بوجوهكم وأيديكم بعضها أفاد أن المطلوب جعل الصعيد ممسوحا والعضوين آلته وهو منتف اتفاقا، ولا يصح فيها ضابط البيانية وهو وضع الذي موضعها مع جزء ليتم صلة الموصول كما في * (اجتنبوا الرجس من الأوثان) * (الحج: 30) أي الذي هو الأوثان. كذا في فتح القدير.
ومثله توضأت من النهر أي ابتداء الاخذ للوضوء من النهر. وفي الكشاف: فإن قلت قولهم إنها لابتداء الغاية قول متعسف ولا يفهم أحد من العرب من قول القائل مسحت
(٢٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 ... » »»
الفهرست