البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ٢٥٦
لأن الله تعالى بين حكم الحدث الأصغر والأكبر حال وجود الماء ثم نقل الحكم إلى التراب حال عدم الماء، وذكر الحدث الأصغر بقوله * (أو جاء أحد منكم من الغائط) * (النساء: 43) فتعين حمل الملامسة على الجماع ليكون بيانا لحكم الحدثين عند عدم الماء كما بين حكمهما عند وجوده، والشافعي حمل الآية على الجماع والمس باليد فقال بإباحته للجنب ونقض الوضوء بالمس باليد، والحيض والنفاس ملحقان بالجنابة لأنهما في معناهما، هكذا في كثير من الكتب لكن في الفتاوى الظهيرية كما نقله مسكين من شرح الكنز والشمني في شرح النقاية تفصيل في الحائض وهي أنها إذا ظهرت لعشرة أيام يجوز لها التيمم، وإن طهرت لأقل لا يجوز إلا أن الشمني نقله عنها في تيممها لصلاة الجنازة والعيد والأول في مطلق التيمم. والذي يظهر أن هذا التفصيل غير صحيح بدليل ما اتفقوا على نقله في باب الحيض والرجعة أن الحائض إذا انقطع دمها لأقل من عشرة فتييمت عند عدم القدرة على الماء وصلت جاز للزوج وطؤها، وهل تنقطع الرجعة بمجرد التيمم أو لا بد من الصلاة به فيه خلاف، فهذا صريح في جواز التيمم لها. وممن صرح به القاضي الأسبيجابي في شرح مختصر الطحاوي ولفظه: الأصل أن المرأة إذا كانت أيامها دون العشرة فوقت اغتسالها من الحيض حتى إنها لا تخرج من الحيض ما لم تغتسل أو يمضي عليها أدنى وقت الصلاة إليها مع قدرة الاغتسال فيه، ولو تيممت وصلت خرجت من الحيض بالاتفاق، ولو تيممت ولم تصل لا ينقطع حق الرجعة في قولهما خلافا لمحمد وزفر، وأجمعوا أنها لا تتزوج حتى تصلي بذلك التيمم إلى آخر ما ذكر من الفروع، لكن صحح شمس الأئمة السرخسي في مبسوطه أنه لا يطؤها حتى تصلي به إجماعا لأن محمدا إنما جعل التيمم كالاغتسال فيما هو مبني على الاحتياط وهو قطع الرجعة والاحتياط في الوطئ تركه فليس التيمم فيه كالاغتسال كما لم يفعله في الحل للأزواج. وفي المحيط: جنب مر على مسجد فيه ماء يتيمم للدخول ولا يباح له إلا بالتيمم وإن كان فيه عين صغيرة ولا يستطيع الاغتراف منه لا يغتسل فيها ويتيمم لأن الاغتسال فيه يفسده ولا يخرج طاهرا فلا يكون مفيدا، ولو أصابته الجنابة في المسجد قيل لا يباح له الخروج من غير تيمم اعتبارا بالدخول، وقيل يباح لأن في الخروج تنزيه المسجد عن النجاسة وفي الدخول تلويثه بها ا ه‍. وسيأتي في الحيض تمامه إن شاء الله تعالى.
قوله: (بطاهر) متعلق بيتيمم يعني يشترط لصحة التيمم طهارة الصعيد لقوله تعالى * (فتيمموا صعيدا طيبا) * (النساء: 43) ولا طيب مع النجاسة حتى لو تيمم بغبار ثوب نجس
(٢٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 ... » »»
الفهرست