بهذا التخليل بقي صفة الخمرية فيه وان كأن لم يطهر كما إذا ألقى فيه شيئا من الحلاوة وهذا بخلاف جلد الميتة إذا دبغ فان نجاسة الجلد بما اتصل به من الدسومات النجسة والدبغ إزالة لتلك الدسومة والى العباد الفصل والتمييز بين الأشياء فكان فعله اصلاحا من حيث أنه يميز به الطاهر من النجس فأما نجاسة الخمر فلعينها لا لغير اتصل بها وإنما تنعدم هذه الصفة بتحولها بطبعها ولا أثر للتخليل في ذلك * وحجتنا في ذلك ما روى أن النبي عليه الصلاة والسلام قال أيما إهاب دبغ فقد طهر كالخمر يخلل فيحل ولا يقال قد روى كالخمر تخلل فحل لان الروايتين كالخبرين فيعمل بهما ثم ما رويناه أقرب إلى الصحة لأنه شبه دبغ الجلد به والدبغ يكون بصنع العباد لا بطبعه فعرفنا ان المراد التخليل الذي يكون بصنع العباد والمعنى فيه أن هذا صلاح لجوهر فاسد فيكون من الحكمة والشرع أن لا ينهى عما هو حكمة وبيان الوصف أن الخمر جوهر فاسد فاصلاحه بإزالة صفة الخمرية عنه والتخليل إزالة لصفة الخمرية فعرفنا انه اصلاح له وهو كدبغ الجلد فان عين الجلد نجس ولهذا لا يجوز بيعه ولو كانت النجاسة بما اتصل به من الدسومات لجوز بيعه كالدسومات النجسة ولكن الدبغ اصلاح له من حيث إنه يعصمه عن النتن والفساد فكان جائزا شرعا ولا معنى لما قال إن هذا فساد في الحال لما يلقى فيه لأنه هذا موجود في دبغ الجلد فإنه افساد لما يجعل فيه من الشب والقرظ وهذا اصلاح باعتبار مآله والعبرة للمآل لا للحال فان القاء البذر في الأرض يكون اتلافا للبذر في الحال ولكنه اصلاح باعتبار مآله وبهذا يتبين أن التخليل ليس بتصرف في الخمر على قصد تمول الخمر بل هو اتلاف لصفة الخمرية وبين تمول الخمر واتلاف صفة الخمرية منافاة فما كان الاقتراب من العين لاتلاف صفة الخمرية الا نظير الاقتراب منها لإراقة العين وذلك جائز شرعا ونحن نسلم أن تقليب الطباع ليس إلي العابد وإنما إليهم احداث المجاورة ولكن احداث المجاورة بين الخل والخمر بهذه الصفة يقوى على اتلاف صفة الخمرية بتحولها إلى طبع الحل في أسرع الأوقات فكان هذا أقرب إلى الجواز من الامساك وإذا جاز الامساك إلى أن يتخلل فالتخليل أولى بالجواز وأما إذا ألقى فيه شيئا من الحلاوة فذلك ليس باتلاف لصفة الخمرية لأنه ليس من طبع الخمر أن يصير حلوا فعرفنا أن معنى الشدة والمرارة قائم فيه وان كأن لا يظهر لغلبة الحلاوة عليه فأما من طبع الخمر أن يصير خلا فيكون التخليل اتلافا لصفة الخمرية كما بينا * يوضحه أن من وجه فعليه أحداث المجاورة ومن وجه اتلاف لصفة
(٢٣)