المبسوط - السرخسي - ج ١٩ - الصفحة ١٧٠
وقد قال ابن أبي ليلى رحمه الله إذا كفل به الثاني برى الأول لان الطالب يصير معرضا عن كفالته حين اشتغل بأخذ كفيل آخر وهذا فاسد فإنه يأخذ الكفيل الثاني بقصد زيادة التوثق فلا يصير مبرئا للكفيل الأول ولا منافاة بين الكفالتين فالمستحق على كل واحد منهم الاحضار ولا يبعد أن يكون احضار شئ واحد مستحقا على شخصين وإذا كفل رجل بنفس رجل وكفل آخر بنفس الكفيل ثم مات الأول برئ الكفيل لان الأصل برئ من الحضور فيبرأ الكفيل الأول ببراءة الأصيل والكفيل الأول أصل في حق الكفيل الثاني فيبرأ ببراءته أيضا وان مات الأوسط برئ الأخير لان الوسط أصل في حق الآخر وقد برئ بموته وان مات الأخير فالأوسط على كفالته لان براءة الكفيل على ما هو سقوط محض لا يوجب براءة الأصيل كما لو برئ الكفيل بالابراء ولو دفع الأول نفسه إلى الطالب برئ الكفيلان لما بينا ولو كفل بنفس رجل والطالب غير حاضر فهو باطل في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وهو قول أبى يوسف الأول ثم رجع وقال هو جائز وكذلك الكفالة بالمال إذا لم يكن الطالب حاضرا وفى موضع آخر من هذا الكتاب يقول هو موقوف عند أبي يوسف رحمه الله حتى إذا بلغ الطالب فعله جاز وذكر الطحاوي رحمه الله قول محمد مع قول أبى يوسف رحمهما الله وهو غلط فإن كان الصلح الصحيح من مذهب أبي يوسف رحمه الله التوقف فهو مبنى على بيانه في كتاب النكاح وهو ما إذا قال اشهدوا انى تزوجت فلانة وهي غائبة فكما أن هناك عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله كلام الواحد شطر العقد فلا يتوقف على ما وراء المجلس وعند أبي يوسف رحمه الله جعل كلام الواحد كالعقد التام حتى يتوقف على ما وراء المجلس فكذلك هنا لأنه لا ضرر على أحد من هذا التوقف وإن كان الصحيح من قول أبى يوسف رحمه الله انه جائز في مسألة مبتدأة وجه قوله ان الكفالة التزام من الكفيل من غير أن يكون بمقابلته إلزام على غيره والالتزام يتم بالملتزم وحده كالاقرار وهذا لأنه تصرف منه في ذمته وله ولاية على ذمته ولا يتعدى ضرره إلى الطالب لأنه لا يزداد بالكفالة حق الطالب وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله قالا الكفالة تبرع وهو تبرع على الطالب بالالتزام له وانشاء سبب التبرع لا يتم بالتبرع ما لم يقبله المتبرع عليه كالهبة والصدقة وهذا لان التزام الحق بانشاء العقد والعقد لا يتم بالايجاب بدون القبول ولا يمكن جعل ايجابه قائما مقام قبول الآخر لأنه لا ولاية له عليه فبقي ايجابه شطر العقد وذلك يبطل بالقيام عن المجلس بخلاف الاقرار فإنه
(١٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 ... » »»
الفهرست