المبسوط - السرخسي - ج ١٦ - الصفحة ١٦٧
بمنزلة البيع وقد بينا انه يترجح دعوى الشراء على دعوى الرهن عند تعارض الحجج ولو كانت هبة بغير عوض قضيت بها لصاحب الرهن من قبل أنه قد نفذ ماله فيه وقد كان ينبغي في قياس القول الذي قلنا قبل هذا أن يكون لصاحب الهبة ومعنى هذا أن صاحب الهبة في القياس أولى لأنه يثبت ببينته مالك العين لنفسه والمرتهن لا يثبت ذلك ببينته وكل واحد من العقدين لا يتم الا بالقبض فيترجح الموجب للملك في العين منهما وفي الاستحسان الرهن أولى لأنه عقد ضمان فالمقبوض بحكم الرهن بما يقابله من الدين والمقبوض بحكم الهبة لا يكون مضمونا أقوى من عقد التبرع فلهذا كانت بينة صاحب الرهن أولى وللقياس وجه آخر وهو ان الرهن لا يرد على الهبة والهبة ترد على الرهن فإنه بعد الهبة منه لو رهنه كان باطلاق وبعد الرهن لو وهبه من المرتهن كان صحيحا فعند التعارض يترجح الوارد لكن في الاستحسان قال لا بد من اثبات حق المرتهن فثبوت الملك للمرهون له لا يمنع ثبوت حق المرتهن فيها فان الواهب إذا رهن الموهوب بدينه برضاء الموهوب له حاز ولا يمكن اثبات الهبة مع ثبوت حق المرتهن فإنه بعد الرهن لو وهب برضاء المرتهن وسلم يبطل حق المرتهن فلهذا جعلنا الرهن أولى من الهبة وان أقام كل واحد منهما البينة أنه تصدق بها عليه وقبضها لم يقض لواحد منهما لأنه إنما يقضي لكل واحد منهما بنصفها والهبة لا تتم في المشاع الذي يحتمل القسمة وزعم بعض أصحابنا رحمهم الله ان هذا قول أبي حنيفة رحمه الله فاما عندهما ينبغي أن يقضى بها بينهما نصفان بمنزلة هبة الدار من رجلين والأصح ان هذا قولهم جميعا لأنهما إنما يجوز ان ذلك عند اتحاد العقد والاتحاد في جانب الواهب فاما إذا وهب النصف من كل واحد منهما في عقد على حدة لا يجوز وهنا كل واحد منهما أثبت ببينته الهبة منه في عقد على حدة فلهذا لا يقضى لكل واحد منهما بنصفها فان شهدت أحدهما انه أول فهي له لأنه أثبت ملكه في وقت لا ينازعه الاخر فيه وإن لم يشهدوا بذلك وهي في يد أحدهما فهي لذي اليد لان تمكنه من القبض دليل سبق عقده وإذا كانت الدار في يد ثلاثة رهط فادعى أحدهم الجميع والاخر النصف وادعى الثالث الثلثين وليست لهم بينة فلكل واحد منهم ما في يده لان في يد كل واحد منهم ثلث الدار فدعوى كل واحد منهم ينصرف إلى ما في يده ولان قوله مقدم فيه على قول الخارج لأنه مستحق لما في يده باعتبار ظاهر اليد ويحلف كل واحد منهما على دعوى الاخر لان صاحب الجميع يدعى لنفسه جميع ما في يد صاحبيه وهما ينكران ذلك وصاحب الثلثين يدعي نصف ما في يد كل
(١٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 ... » »»
الفهرست