عفافه وصلاحه وعقله وفهمه وعلمه بالسنة والآثار ووجوه الفقه التي يأخذ منها الكلام فإنه لا يستقيم أن يكون صاحب رأى ليس له علم بالسنة والأحاديث فمثله يضل الناس كما ورد به الأثر * إياكم وأصحاب الرأي أعيتهم أن يحفظوها فيسألوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ولا صاحب حديث ليس له علم بالفقه فقد شرط رسول الله صلى الله عليه وسلم على صاحب الحديث ان يعي ما سمعه أولا يقوله قال صلوات الله عليه وسلامه نصر الله امرءا سمع منا مقالة فوعاها كما سمعها ثم أداها إلى من لم يسمعها فرب حامل فقه إلى غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه فعرفنا أنه لا يستقيم واحد منهما الا بصاحبه والامام مأمور بأن لا يقلد أحدا شيئا من عمل المسلمين الا إذا علم صلاحه لذلك قال صلى الله عليه وسلم من قلد غيره عملا وفى رعيته من هو أولى به منه فقد خان الله ورسوله وخان جماعة المسلمين وعمل القضاء من أهم أمور الدين واعمال المسلمين فلا يختار له الا من يعلم أنه صالح لذلك مؤدي الأمانة فيه وذلك عند اجتماع الخصال المذكورة فيه وإذا كأن لا يؤتمن على شئ من المال من لا يعرف بالأمانة أو يعجز عن أدائها فلئلا يؤتمن على أمر الدين أولى فكما لا يختار للقضاء الا من يجتمع فيه هذه الشرائط فكذلك للفتوى فان القاضي يفتى وقد كان القاضي في الصدر الأول يسمى مفتيا فلا ينبغي لاحد أن يفتى الا من كان هكذا إلا أن يفتي شيئا قد سمعه فيكون حاكيا ما سمع من غيره بمنزلة الراوي لحديث سمعه يشترط فيه ما يشترط في الراوي من العقل والضبط والعدالة والإسلام لان الخبر كلام فلا يتحقق بصورته ومعناه في الراوي من غير العاقل وما من موجود في الدنيا الا وهو معتبر لصورته ومعناه فإذا كان المعنى المطلوب من الكلام البيان ولا يحصل ذلك الا بالعقل عرفنا ان العقل في المخبر شرط والضبط كذلك لان قبول الخبر منه باعتبار رجحان جانب الصدق فيه ولا يحصل ذلك الضبط والفهم والعدالة الا بذلك فرجحان جانب الصدق بالعدالة يكون لأنه إذا لم ينزجر عما يعتقده حراما في دينه لا ينزجر عن الكذب أيضا واشتراط الاسلام لان الكفر ينافي رجحان جانب الصدق في خبره لان هذا من باب الدين وهم يعاودن الدين الحق ويسعون في هدمه بما يقدرون عليه فشرطنا الاسلام لذلك وبعد ما استجمع في القاضي هذه الشرائط لا يولى القضاء ما لم يكن له علم بالقضاء والمراد من هذا اللفظ العلم المتعارف بين الناس ولسانهم من استعمال الحقيقة والمجاز فالقاضي لا يستغنى عن ذلك ويتعذر عليه تنفيذ بعض القضاء إذا لم يكن عالما بذلك ولا يولى القضاء أعمى ولا محدود في قذف
(١٠٩)