التعريف لان هذا المكاتب كان محتاجا إلى العمل فيها فيؤدى مكاتبته من ربحها فأذن له عمر رضي الله عنه في ذلك وفيه دليل ان للامام أن يقبض اللقطة من الملتقط ان رأى المصلحة في ذلك لأنه أمره بدفعها إلى خزان بيت المال وكأنه إنما أمره بذلك لأنه كان سبيلها التصدق بها بعد التعريف فأمره بدفعها إلى من هو في يده بيت مال الصدقة ليضعها موضع الصدقة وذكر في الأصل عن سويد بن عقلة قال حججت مع سلمان بن ربيعة وزيد بن صوحان وأناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى عنهم فوجدنا سوطا فاحتماه القوم وكرهوا أن يأخذوه وكنت أحوجهم إليه فأخذته فسالت عن ذلك أبي بن كعب فحدثني بالمائة دينار التي وجدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وجدت مائة دينار فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قال عرفها سنة فعرفتها فلم يعرفها أحد فأخبرته فقال عرفها سنة أخرى فعرفتها فلم يعرفها أحد فأخبرته فقال عرفها سنة أخرى فعرفتها فلم يعرفها أحد فأخبرته ثم قال بعد ثلاث سنين اعرف عددها ووكاءها واخلطها بمالك فان جاء طالبها فادفعها إليه وإلا فانتفع بها فإنها رزق ساقه الله إليك وأما قوله وجدنا سوطا يحتمل أن يكون ذلك مما يكسر من السياط ويعلم أن صاحبه ألقاه فتركه القوم لأنهم ما كانوا محتاجين إليه وأخذه سويد لينتفع به فإنه كان محتاجا إليه فذلك يدل على أن ما ألقاه صاحبه يباح أخذه للانتفاع به لمن شاء ويحتمل ان هذا كان سوطا هو مال متقوم يعلم أن صاحبه يطلبه فيكون بمنزلة اللقطة وفي قوله فاحتماه القوم حجة لمن يقول ترك اللقطة أولى من رفعها ولكنا نقول هذا كان في ذلك الوقت لان الغلبة كانت لأهل الخير والصلاح فإذا تركه واحد يتركه الاخر أيضا أو يأخذه ليؤدي الأمانة فأما في زماننا فقد غلب أهل الشر إذا ترك الأمين يأخذ الخائن فيكتم من صاحبه والحكم يختلف باختلاف أحوال الناس ألا ترى ان النساء كن يخرجن إلى الجماعات في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصديق رضي الله عنه ثم منعن من ذلك في زمن عمر رضي الله عنه وكان صوابا وفى الحديث الذي رواه أبي بن كعب رضي الله عنه دليل لما قلنا إن التقدير بالحول في التعريف ليس بلازم ولكنه يعرفها بحسب ما يطلبها صاحبها ألا ترى ان المائة دينار لما كانت مالا عظيما كيف أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بان يعرفها ثلاث سنين ثم بظاهر الحديث يستدل الشافعي رضي الله عنه في أن للملتقط أن ينتفع باللقطة بعد التعريف وإن كان غنيا فان رسول الله صلى الله عليه وسلم جوز ذلك لأبي رضي الله عنه
(٥)