المبسوط - السرخسي - ج ١١ - الصفحة ٤
الشرع أباح له التصدق بها وما ألزمه ذلك ومثل هذا الاذن مسقط للإثم عنه غير مسقط لحق محترم للغير كالاذن في الرمي إلى الصيد والاذن في المشي في الطريق فإنه يتقيد بشرط السلامة وحق صاحب هذه المال مرعي محترم فلا يسقط حقه عن هذا العين بهذا الاذن فله أن يضمنه ان شاء والاذن هنا دون الاذن لمن أصابته مخمصة في تناول ملك الغير وذلك غير مسقط للضمان الواجب لحق صاحب المال وذكر عن ابن مسعود رضي الله عنه انه اشترى جارية بسبعمائة درهم أو بثمانمائة درهم فذهب صاحبها فلم يقدر عليه فخرج ابن مسعود رضي الله عنه بالثمن في صرة فجعل يتصدق بها ويقول لصاحبها فان أبى فلنا وعلينا الثمن فلما فرغ قال هكذا يصنع باللقطة وفى هذا اللفظ بيان أن الملتقط له أن يتصدق بها بعد التعريف على أن يكون ثوابها لصاحبها ان أجاز وان أبى فله الضمان على المتصدق وليس مراد ابن مسعود رضي الله عنه من هذا ان حكم الثمن الواجب عليه حكم اللقطة من كل وجه وكيف يكون ذلك والمثن دين في ذمته وما تصدق به من الدراهم خالص ملكه فأما عين اللقطة فمملوكة لصاحبها والملتقط أمين فيها فعرفنا ان هذا ليس في معنى اللقطة ولا يقال لعله كان اشتراها بمال معين لأنه صح من مذهبه ان النقود لا تتعين في العقد ولو تعينت فهي مضمونة على المشترى فعرفنا انه ليس كاللقطة من كل وجه وانه بالتصدق ما قصد اسقاط الثمن عن نفسه بل قصد إظهار المجاملة في المعاملة واتصال ثوابها إلى صاحبها ان رضى بصنيعه وإلا فالثمن دين عليه كما كان وعن أبي سعيد مولى أسيد قال وجدت خمسمائة درهم بالحرة وأنا مكاتب فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال اعمل بها وعرفها فعملت بها حتى أديت مكاتبتي ثم أتيته فأخبرته بذلك فقال ادفعها إلى خزان بيت المال وفى هذا دليل ان للامام ولاية الاقراض في اللقطة والدفع مضاربة لان قول عمر رضي الله عنه اعمل بها وعرفها إما أن يكون بطريق المضاربة أو الاقراض مضاربة وقد علمنا أنه لم يرد المضاربة حتى لم يتبين نصيبه من الربح فكان مراده الاقراض منه وفي هذا معنى النظر لصاحب المال لأنه يعرض للهلاك فيهلك من صاحبه قبل الاقراض وبعد الاقراض يصير دينا في ذمة المستقرض يؤمن فيه التوى بالهلاك وكذلك بالجحود لأنه متأكد بعلم القاضي ولهذا كان للقاضي ولاية الاقراض في أموال اليتامى وربما يكون معنى النظر في الدفع إليه مضاربة أو إلى غيره فذلك كله إلى القاضي لأنه نصب ناظرا وفيه دليل على أن الملتقط إذا كان محتاجا فله أن ينتفع باللقطة بعد
(٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»
الفهرست