المبسوط - السرخسي - ج ١١ - الصفحة ١٧
عن العدوان ولهذا بدأ بحديث سعيد بن المرزبان عن أبي عمر والشيباني قال كنت جالسا عند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فجاء رجل فقال إن فلانا قدم بإباق من القوم فقال القوم لقد أصاب أجرا فقال عبد الله رضي الله عنه وجعلا إن شاء من كل رأس أربعين درهما. وفي هذا الحديث بيان ان الراد مثاب لان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لم ينكر عليهم اطلاق القول بأنه أصاب أجرا وفيه دليل على أنه يستحق الجعل على مولاه وهو استحسان أخذ به علماؤنا رحمهم الله. وفى القياس لا جعل له وهو قول الشافعي رضي الله عنه لأنه تبرع بمنافعه في رده على مولاه ولو تبرع عليه بعين من أعيان ماله لم يستوجب عليه عوضا بمقابلته فكذلك إذا تبرع بمنافعه ولان رد الآبق نهى عن المنكر لان الإباق منكر والنهى عن المنكر فرض على كل مسلم فلا يستوجب بإقامة الفرض جعلا ولكنا تركنا هذا القياس لا تفاق الصحابة رضي الله عنهم فقد اتفقوا على وجوب الجعل لان ابن مسعود رضي الله عنه قال في مجلسه ما قال وقد اشتهر عنه ذلك لا محالة ولم ينكر عليه أحد من أقرانه وقد عرض قوله عليهم لا محالة والسكوت بعد ذلك عن إظهار الخلاف لا يحل لمن يعتقد خلافه فمن هذا الوجه يثبت الاجماع منهم ثم هم اتفقوا على أصل وجوب الجعل وان اختلفوا في مقداره فقال عمر رضي الله عنه دينار أو اثنا عشر درهما وقال علي رضي الله عنه دينار أو عشرة دراهم وقال عمار بن ياسر رضي الله عنه إذا أخذه في المصر فله عشرة دراهم أو دينار وان أخذه في غير المصر فله أربعون درهما فقد اتفقوا على وجود أصل الجعل وكفى باجماعهم حجة والأصل أن الصحابة رضي الله عنهم متى اختلفوا في شئ فالحق لا يعدوهم وليس لاحد أن يترك جميع أقاويلهم برأيه ولكن يرجح قول البعض على البعض فنحن أخذنا بقولهم في ايجاب أصل الجعل ورجحنا قول ابن مسعود رضي الله عنه في مقداره (فان قيل) كان ينبغي أن يؤخذ بالأقل في المقدار لأنه متيقن به (قلنا) إنما لم يؤخذ بالأقل لان التوفيق بين أقاويلهم ممكن بأن يحمل قول من أفتى بالأقل علي ما إذا رده مما دون مسيرة سفر وقول من أفتى بالأكثر على ما إذا رده من مسيرة سفر كما فسره عمار بن ياسر رضي الله عنه فان قوله ان أخذه في المصر كناية عما دون مسيرة سفر وان أخذه خارج المصر كناية عن مسيرة سفر ومتى أمكن التوفيق بين أقاويلهم وجب المصير إليه ثم الاخذ بالأقل إنما يكون فيما يقولونه بآرائهم ونحن نعلم أنهم ما قالوا هذا بالرأي لأنه خلاف القياس ولان نصب
(١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 ... » »»
الفهرست