المبسوط - السرخسي - ج ٩ - الصفحة ٥٤
الله حرم الزنا فحدوه وان كأن لا يعلم فعلموه فان عاد فحدوه فقد جعل ظن الحل في ذلك الوقت شبهة لعدم اشتهار الاحكام فلأن يكون الظن في موضع الاشتباه مورثا شبهة أولى فأما إذا لم يجب الحد وجب المهر لما بينا أن هذا الفعل في غير الملك لا ينفك عن عقوبة أو غرامة وإذا سقطت العقوبة وجب المهر (قال) وإذا شهد الشهود على رجل أنه استكره هذه المرأة فزنى بها حد الرجل دون المرأة لان وجوب الحد للزجر وهي منزجرة حين أبت التمكين حتى استكرهها ولان الاكراه من جهتها يعتبر في نفي الاثم عنها على ما ذكرنا في كتاب الاكراه ان لها أن تمكن إذا أكرهت بو عيد متلف والحد أقرب إلى السقوط من الاثم فإذا سقط الاثم عنها فالحد أولى ويقام الحد على الرجل لان الزنا التام قد ثبت عليه وجنايته إذا استكرهها أغلظ من جنايته إذا طاوعته ولا يقال قد سقط الحد عنها فينبغي أن يسقط عنه كما لو ادعت النكاح وهذا لان الشبهة بدعوى النكاح تتمكن في الفعل والفعل مشترك بينهما فأما كونها مكرهة لا يتمكن به شبهة في الفعل ولا يخرج فعل الرجل من أن يكون زنا محضا لأن المرأة محل الفعل ولا تنعدم المحلية بكونها مكرهة وهو كما لو زنى بصبية أو مجنونة أو نائمة يقام عليه الحد وإن لم يجب عليها (قال) ولو أن مجنونا اكره عاقلة حتى زنى بها لا حد على واحد منهما اما المرأة فلأنها مكرهة غير ممكنة طوعا واما الرجل فلانه مجنون ليس من أهل التزام العقوبة فإذا دعت العاقلة البالغة مجنونا أو صبيا إلى نفسها فزنى بها لا حد عليها عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى عليها الحد وهو رواية عن أبي يوسف رحمه الله تعالى لأنها زانية فعليها الحد بالنص وبيانه وهو ان الزنا ليس إلا وطئ متعر عن العقد والملك وشبههما وقد وجد ذلك إلا أنه سقط الحد عن أحدهما لانعدام الأهلية لمعني فلا يمتنع اقامته على الآخر كما لو زنى بصبية أو مجنونة هذا لان فعل كل واحد منهما كامل في نفسه وهي في التمكين زانية كالرجل في الايلاج ألا ترى ان الله تعالى سماها زانية وبدأ بذكرها وان من نسبها إلى الزنا يلزمه الحد ولو كأن لا يتصور منها مباشرة الزنا لم يحد قاذفها به كالمجبوب ولأنها بهذا التمكين تقضى شهوتها كالرجل بالايلاج فإذا ثبت كمال الفعل من كل جانب يراعى حال كل واحد منهما فيما يلزمه من العقوبة (وحجتنا) في ذلك أنها مكنت نفسها من فاعل لم يأثم ولم يحرج فلا يلزمها الحد كما لو مكنت نفسها من زوجها وبيان الوصف ظاهر لان الاثم والحرج ينبني على الخطاب وهما لا يخاطبان وتحقيقه ان المباشر للفعل هو الرجل والمرأة تابعة بدليل
(٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 ... » »»
الفهرست