فتتعلق الجناية الثانية برقبته ويلزمه الأقل كالجناية الأولى وان كانت الجناية الثانية قبل أن يحكم عليه بموجب الجناية الأولى فليس عليه الا قيمة واحدة عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى عليه لولى كل جناية قيمة على حدة لان من أصله أن جنايته لا تتعلق برقبته بل موجبه القيمة ابتداء لان الدفع متعذر فكان القضاء وغير القضاء فيه سواء يجب عليه قيمة باعتبار كل جناية لكونه أحق بكسبه عند كل جناية وعندنا تتعلق جناية المكاتب برقبته لان الدفع موهوم فإنه إن عجز انفسخت الكتابة ودفع بالجناية فإنما يتحول إلى القيمة بقضاء القاضي فإذا اجتمعت الجنايات في رقبته قبل قضاء القاضي لم يلزمه الا قيمة واحدة لأنه لو أمكن دفعه لم يكن حقهم الا في رقبة واحدة بخلاف ما إذا قضى القاضي بالأولى لأنه تحول إلى القيمة دينا في ذمته بقضاء القاضي ثم تعلقت الجناية الثانية برقبته حتى يدفع بها إذا عجز فلهذا يقضى له بقيمة أخرى ولو قتل رجلا عمدا هو أو ابن له في ملكه ثم صالح في ذمته على مال جاز الصلح لان من دخل في كتابته تبع له وله أن يصالح عن جناية نفسه فكذلك عن جناية من دخل في كتابته لأنه أحق بكسبه فان عجز فرد في الرق فإن كان أعطى المال لم يكن له حق الاسترداد وإن لم يكن أدى المال لم يؤخذ بالمال حتى يعتق في قول أبي حنيفة رحمه الله وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يؤخذ بالمال في الحال فيباع فيه وأصل المسألة في المكاتب إذا أقر بجناية الخطأ فقضى عليه بالقيمة ثم عجز لم يؤخذ به الا بعد العتق في قول أبي حنيفة لان وجوب هذا المال بقوله واقراره فيما ليس من التجارة يكون ملزما إياه بعد العتق لا بعد العجز قبل العتق لان بعد العجز الحق في ماليته لمولاه واقراره ليس بصحيح في حق المولى كما لو أقر بالجناية بعد العجز فكذلك في الصلح لان دم العمد ليس بمال فهو بهذا الصلح يلتزم مالا لا بإزاء ما فهو وما يقربه سواء وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى كل واحد من المالين ثابت في ذمته وهو مطالب بهما في حال قيام الكتابة فيبقى في ذمته بعد العجز فيباع فيه كسائر الديون وتمام بيان هذه المسائل في الديات وإذا حفر المكاتب بئرا في الطريق فوقع فيها انسان فعليه أن يسعى في قيمته يوم حفر لأنه جان بطريق التسبب بالحفر في الطريق فيجعل كجنايته مباشرة وإذا وقع فيها آخر بعد ما قضى للأول شركه في تلك القيمة لان الموجود من المكاتب جناية واحدة وهو الحفر فلا يلزمه به أكثر من قيمة واحدة ولكن الثاني يشارك الأول في تلك القيمة بخلاف جنايته بالمباشرة فان الثانية غير الأولى
(٢٢٣)