قالوا وهذا في ديارهم فإنهم يكتفون بذلك عادة ويستوفون منه حاجتهم فأما في ديارنا لا بد من الخبز وهذا كله بمنزلة طعام الأهل ويعتبر فيه الأكلتان المشبعتان مما يكون معتادا في كل موضع فقد قالت الصحابة رضوان الله عليهم أعلى ما يطعم الرجل أهله الخبز واللحم وأوسط ما يطعم الرجل أهله الخبز واللبن وأدنى ما يطعم الرجل أهله الخبز والملح (قال) وان اختار التمليك أعطي كل مسكين نصف صاع من بر أو دقيق أو سويق أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير لا يجزئه دون ذلك عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى لكل مسكين مد من بر لحديث الاعرابي في كفارة الفطر فان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه خمسة عشر صاعا وقال فرقها على ستين مسكينا ولكنا نستدل بحديث أوس بن الصامت وسلمة بن صخر البياضي رضي الله عنهما فقد ذكر في الحديثين اطعام ستين مسكينا لكل مسكين نصف صاع من بر وحديث علي وعائشة رضي الله عنهما قالا لكل مسكين مدان من بر وعن عمر وابن عباس رضي الله عنهما لكل مسكين نصف صاع من حنطة ولان المعتبر حاجة اليوم لكل مسكين فيكون نظير صدقة الفطر ولا يتأدى ذلك بالمد بل بما قلنا فكذلك هذا وذكر في بعض الروايات في حديث الاعرابي فرقها ومثلها معها ثم هذا الاستدلال من الشافعي رحمه الله تعالى لا يستقيم لان الصاع لا يتقدر بأربعة امناء عنده وان أعطى قيمة الطعام كل مسكين أجزأه لحصول المقصود وهو سد الخلة وهو عندنا وقد بيناه في الزكاة (قال) وان أعطى من صنف من ذلك أقل مما سميناه وهو يساوى كمال الواجب من جنس آخر لم يجزه إلا عن مقداره معناه إذا أعطى كل مسكين مدا من بر يساوى صاعا من شعير أو نصف صاع من تمر يساوى نصف صاع من حنطة وعلى قول زفر رحمه الله تعالى يجزئه لان المقصود يحصل بالمؤدى وهو كاعطاء القيمة ألا ترى أنه لو كسا عشرة مساكين ثوبا واحد في كفارة جاز عن الطعام إذا كانت قيمة نصيب كل واحد منهم مثل قيمة الطعام ولكنا نقول المؤدى عين المنصوص ولا معتبر بالمعنى في المنصوص بل يعتبر عين النص بخلاف الكسوة فالمنصوص عليه ما يحصل به الاكتساء وبعشر الثوب لا يحصل ذلك لكل مسكين فلم يكن المؤدى منصوصا عليه فيعتبر المعنى فيه توضيحه ان في إقامة صنف مقام صنف ابطال التقدير المنصوص عليه في كل صنف وكل تعليل يتضمن ابطال النص فهو باطل وليس في الكسوة تقدير منصوص عليه فاقامته مقام الطعام لا يؤدى إلى ابطال التقدير المنصوص
(١٦)