بقوله تعالى وسيدا وحصورا فقد مدح يحيى صلى الله عليه وسلم بأنه كان حصورا والحصور هو الذي لا يأتي النساء مع القدرة على الاتيان فدل ان ذلك أفضل ولان النكاح من جنس المعاملات حتى يصح من المسلم والكافر والمقصود به قضاء الشهوة وذلك مما يميل إليه الطبع فيكون بمباشرته عاملا لنفسه وفى الاشتغال بالعبادة هو عامل لله تعالى بمخالفة هوى النفس وفيه اشتغال بما خلقه الله تعالى لا جله قال الله تعالى وما خلقت الجن والإنس الا لعيبدون فكان هذا أفضل إلا أن تكون نفسه تواقة إلى النساء فحينئذ في النكاح معنى تحصين الدين والنفس عن الزنا كما قال عمر رضي الله عنه أيما شاب تزوج فقد حصن ثلثي دينه فليتق الله في الثلث الباقي فلهذا كان النكاح أفضل في حقه وحجتنا قوله صلى الله عليه وسلم من كان على ديني ودين داود وسليمان عليهما السلام فليتزوج وقد اشتغل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتزويج حتى انتهى العدد المشروع المباح له ولا يجوز ان يقال إن ما فعل ذلك لان نفسه كان تواقة إلى النساء فان هذا المعنى يرتفع بالمرأة الواحدة ولما لم يكتف بالواحدة دل ان النكاح أفضل والاستدلال بحال الرسول الله صلى الله عليه وسلم أولى من الاستدلال بحال يحيى عليه السلام مع أنه كان في شريعتهم العزلة أفضل من العشرة وفى شريعتنا العشرة أفضل من العزلة كما قال صلى الله عليه وسلم لا رهبانية في الاسلام وقد بينا ان النكاح مشتمل على مصالح جمة فالاشتغال به أولى من الاشتغال بنفل العبادة على ما اختاره الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم وليس المقصود بهذا العقد قضاء الشهوة وإنما المقصود ما بيناه من أسباب المصلحة ولكن الله تعالى علق به قضاء الشهوة أيضا ليرغب فيه المطيع والعاصي المطيع للمعاني الدينية والعاصي لقضاء الشهوة بمنزلة الامارة ففيها قضاء شهوة الجاه والنفوس ترغب فيه لهذا المعنى أكثر من الرغبة في النكاح حتى تطلب ببذل النفوس وجر العساكر لكن ليس المقصود بها قضاء شهوة الجاه بل المقصود إظهار الحق والعدل ولكن الله تعالى قرن به معنى شهوة الجاه ليرغب فيه المطيع والعاصي فيكون الكل تحت طاعته والانقياد لامره مع أن منفعة العبادة على العابد مقصورة ومنفعة النكاح لا تقتصر على الناكح بل تتعدى إلى غيره وما يكون أكثر نفعا فهو أفضل قال صلى الله عليه وسلم خير الناس من ينفع الناس إذا عرفنا هذا فنقول بدأ الكتاب فقال بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قالا لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا علي بنت أخيها ولا على
(١٩٤)