المبسوط - السرخسي - ج ٤ - الصفحة ١٩
يصل حتى انتهى إلى المزدلفة فكان ذلك دليلا ظاهرا على أنه لا يشتغل بالصلاة قبل الاتيان إلى المزدلفة فإذا أتى المزدلفة نزل بها مع الناس وإنما ينزل عن يمين الطريق أو عن يساره ويتحرز عن النزول على الطريق كيلا يضيق على المارة ولا يتأذى هو بهم فيصلى المغرب والعشاء باذان وإقامة واحدة وقال زفر رحمه الله تعالى باذان وإقامتين هكذا رواه ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاما جابر رضي الله عنه يروى أنه جمع بينهما بأذان وإقامة واحدة والمراد بحديث ابن عمر رضي الله عنهما هذا أيضا إلا أنه سمى الأذان إقامة وكل واحد منهما يسمى باسم صاحبه قال صلى الله عليه وسلم بين كل أذانين صلاة لمن شاء يريد بين الأذان والإقامة ثم العشاء هنا مؤداة في وقتها المعهود فلا تقع الحاجة إلى افراد الإقامة لها بخلاف العصر بعرفات فإنها معجلة على وقتها وان صح أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الإقامة فتأويله أنه اشتغل بين الصلاتين بنفل أو شغل آخر وعندنا في مثل هذا الموضع تفرد الإقامة للعشاء وقد ذكر في بعض روايات ابن عمر رضي الله عنه أنه تعشى بعد المغرب ثم أفرد الإقامة للعشاء (قال) ثم يبيت بها فإذا انشق الفجر صلى الفجر بغلس هكذا رواه جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى العشاء بالمزدلفة بسط له شئ فبات عليه فلما طلع الفجر صلى الفجر. وقال ابن مسعود رضي الله عنه ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة قبل ميقاتها إلا صلاة الفجر صبيحة الجمع فإنه صلاها يومئذ بغلس ولان الاسفار بالفجر وإن كان أفضل في سائر المواضع ففي هذا الموضع التغليس أفضل لحاجته إلى الوقوف بعده وفي الاسفار بعض التأخير في الوقوف فإذا كان يجوز تعجيل العصر على وقتها للحاجة إلى الوقوف بعدها فلان يجوز التغليس بالفجر كان أولى (قال) ثم يقف بالمشعر الحرام مع الناس يحمد الله تعالى ويثنى عليه ويهلل ويكبر ويلبى ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو الله تعالى بحاجته وهذا الوقوف منصوص عليه في القرآن والوقوف بعرفات مشار إليه في قوله تعالى فإذا أفضتم من عرفات الآية وقد وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع يدعو حتى قال ابن عباس رضي الله عنه رأيت يديه عند نحره بالمشعر الحرام وهو يدعو كالمستطعم المسكين وإنما تم مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف فإنه دعا لامته فاستجيب له في الدماء والمظالم أيضا والناس في الجاهلية كانوا متفقين على هذا
(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»
الفهرست