الغريم معسرا، وأما الموسر فلا تهمة فيه اه. وهذا أيضا مخالف لما نقله ابن رشد من الاتفاق والله أعلم. ومن صور المسألة ما ذكر المصنف في التوضيح وابن عرفة وأصله في العتيبة ونصه:
قال في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب المديان: سئل مالك عمن هلك وعليه ثلاثة آلاف دينار ولم يترك إلا ألفا ولم يترك وارثا إلا ابنا له، فيقول ابنه لغرمائه خلود بيني وبين الألف دينار التي ترك أبي وانظروني بدين أبي إلى سنتين وأنا ضامن لكم جميع دين أبي. قال: أرأيت لو كان معه وارث غيره وترك مالا لا يعرف أنه وفاء أم لا قلت له: قد سمعت منك قولا قال: ما هو؟ قلت له: قلت: إن كان فيه فضل بينه وبين ورثته على كتاب الله فلا بأس به، وإن كان على أنه إن كان له فضل كان له بما ضمن من النقصان فلا خير فيه. قال: نعم. قلت له: إنما أردت منه أنه وارث واحد لم يترك إلا ألفا وعليه ثلاثة آلاف وسأل أن يؤخروه على أنه ضامن. فقال: أما مثل هذا فلا بأس به. وقد بلغني عن ابن هرمز مثل ذلك. ابن رشد: رأيت لابن دحون أنه قال: هذه مسألة ردية. قال: لو أنه تبع فيها ابن هرمز ما أجازها لأنه أخذ عينا ليعطي أكثر منها إلى أجل ولأنه ضمن ما على أبيه من دين وهو مجهول إذ لو قدم غريم لم يعلم به للزمه دينه، ولو شرط أن لا يؤدي إلا لمن حضر لم يجز لان الغائب إذا قدم أخذ حصته وكله غرر. وقول ابن دحون هذا غير صحيح إذ لا يصح أن يتأول على مالك ولا غيره من أهل العلم أنه أجاز هذه المسألة اتباعا لهرمز وهو يرى أنه كمن أخذ عينا ليعطي أكثر منه وليضمن ما يطرأ على المتوفى من دين وهو مجهول، إذ لا يجوز عند أحد من العلماء أن يقلد العالم فيما يرى باجتهاده أنه أخطأ. وإنما اختلفوا هل له أن يترك النظر في نازلة إذا وقعت ويقلد من نظر فيها واجتهد أم لا. ومذهب مالك الذي تدل عليه مسائله أن ذلك لا يجوز، فلم يتابع مالك ابن هرمز في هذه المسألة دون نظر بل رآها جائزة، وحكى إجازة ابن هرمز استظهارا واحتجاجا على من خالفه.
والوجه في ذلك أن الألف دينار التي ترك الميت لم تدخل بعد في ضمان الغرماء فيكونون قد دفعوها في أكثر منها إلى أجل بدليل أنها لو تلفت ثم طرأ للميت مال لكانت ديونهم فيه وكانت مصيبة الألف من الوارث، فلما كانت على ملك الميت جاز أن يحل الوارث فيها محله ويعمل مع الغرماء ما كان يجوز أن يعمله معهم لو كان حيا. ألا ترى أنه لو فلس فلم يوجد له إلا الألف دينار وللغرماء ثلاثة آلاف دينار، لجاز أن يتركوا له الألف ويؤخروه بحقوقهم حتى يتجر بها ويوفيهم ذلك ولم يكونوا إذا فعلوا ذلك أعطوا ألفا في أكثر منها إلى أجل وإن كانوا قد ملكوا أخذ الألف إذ لم تحصل بعد في ضمانهم فلذلك خير الوارث، فهذا هو الذي ذهب إليه مالك، والذي يدل على ذلك من إرادته أنه لم يجز ذلك لاحد الورثة إذا كانوا جماعة إلا على أن يكون الفضل بينهم لان تجارته فيها إنما هو على ملك الميت. فهذا وجه قول مالك في هذه المسألة، وسيأتي في رسم البيوع من سماع أشهب مسألة