مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٥ - الصفحة ٦٩
هذا الوجه أنه لا يتعرض للنظر في أمور بناته على أي حالة هو عليها كما لو كان حاضرا.
انتهى باختصار. وقال ابن الحاجب: ويعتبر في غيبة أبي البكر إلى مثل إفريقية لغير تجارة. قال في التوضيح: واحترز بقوله لغير تجارة مما لو خرج إلى تجارة فإنها لا تزوج لأن الغالب فيها أن يرجع عاجلا انتهى. وقال ابن عبد السلام: ومراد المؤلف بقوله لغير تجارة ما قاله في المدونة غيبة انقطاع، لكن فيه مسامحة لأن غير التجارة أعم من الانقطاع. ومثل ما قال في المدونة نص عليه ابن المواز والقاضي عبد الوهاب انتهى. فعلم من هذا أن المراد بقول المصنف وزوج الحاكم في كإفريقية ما إذا كانت غيبته غيبة انقطاع يعني أنه لا يرجى عوده بسرعة غالبا. وليس معناه الاستيطان الذي هو السكنى بنية عدم الانتقال لأنه لا يشترط في القول الأول. وقوله في المدونة وابن الحاجب فيمن خرج لتجارة لا تزوج، يريد والله أعلم إذا لم تطل إقامته كما يفهم من قوله في التوضيح، لأن الغالب أن يرجع عاجلا، ويفهم أيضا ذلك من كلام عبد الوهاب الآتي والله أعلم.
الثاني: ما ذكره من أمنها تزويج في القول الأول الراجع وإن كانت نفقة الأب جارية عليها ولم يخف عليها الصيغة. إنما ذلك إذا كانت بالغة، أما إذا كانت دون البلوغ ونفقة جارية عليها ولم يخف عليها الفساد فلا تزويج وهذا ظاهر، فإن اليتيمة إذا كانت بهذه المثابة فلا تزويج فأحرى التي أبوها حي. نعم إذا خيف عليها الفساد أو انقطعت عنها النفقة فتزوج حينئذ قبل البلوغ وصرح بذلك اللخمي ونقله أبو الحسن عن عبد الوهاب. قال اللخمي: إذا كان سفر الأب قريبا لم تزوج، وكذلك إذا كان بعيدا أو أسر أو فقد وهي في حال صيانة ولم تدع إلى التزويج، فإن دعت إليه ولم تكن منه نفقة وهي تحت حاجة زوجت، وإن كانت نفقته جارية عليها وكان أسيرا أو فقيدا زوجت واختلف إذا علمت حياته ولم يكن أسيرا، فظاهر الكتاب أنها تزوج، وفي كتاب محمد لا تزوج، وإن خشي عليها الفساد زوجت ولم تترك، دعت إلى ذلك أم لا. والتزويج إذا كانت النفقة جارية عليها وهي بحال الصيانة إنما يصح بعد البلوغ، وإذا عدمت النفقة وكانت تحت الحاجة أو خشي عليها الفساد يصح وإن لم يكن بلوغ انتهى. وقال أبو الحسن الصغير: قال عبد الوهاب: إذا غاب الأب غيبة انقطاع، فإن كانت حياته معلومة ومكانه معروفا إلا أن استئذانه يتعذر وهي بالغة، فاختلف في جواز نكاحها فقال مالك: يزوجها الامام إن رفعت إليه. وقال عبد الملك: لا يجوز إنكاحها في حياة الأب بوجه، وقال ابن وهب: إن قطع عنها النفقة جاز إنكاحها برضاها وإن أكرهها لم يجز. ووجه قول مالك أن طول غيبته ضرر بها فهو كما لو عضلها انتهى.
الثالث: هذا الخلاف إنما هو إذا كانت نفقته جارية عليها. قال ابن رشد بعد حكاية الأقوال الأربعة المتقدمة: ولا اختلاف بينهم إذا قطع الأب عنها النفقة في غيبته وخشيت عليها الضيعة في أنها تزوج وإن كان ذلك قبل البلوغ، وإنما اختلفوا هل يزوجها هنا
(٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 ... » »»
الفهرست