مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٥ - الصفحة ٦٨
مثل إفريقية والأندلس وطنجة فأقام بها فرفعت أمرها إلى السلطان، فلينظر إليها وليزوجها. وأما إن خرج تاجرا أو في سفر لغير مقام فلا يزوجها ولي ولا سلطان وإن أرادته الابنة انتهى.
فحمل قوله في المدونة إلى مثل إفريقية على أن المراد من مصر. واستبعد ذلك ابن عبد السلام قال: لأن المسألة من كلام مالك في المدونة، ويحتمل أن يريد ذلك مثل إفريقية من المدينة انتهى. وعلى ذلك حملها الرجراجي كما سيأتي في كلامه، وإلى هذا القسم أشار المصنف بقوله وزوج الحاكم في كإفريقية وظهر من مصر وتأولت أيضا بالاستيطان. فصدر بالقول الأول الذي صدر به ابن رشد وقال: إنه ظاهر المدونة والعتبية. وأشار إلى تفسير ابن رشد المدونة بقوله: وظهر من مصر. ثم أشار إلى القول الثاني لأن ابن رشد ذكر أن المدونة تأولت عليه. وأفاد بقوله أولا أن المدونة تأولت على الأول أيضا، واقتصر على هذين القولين لقوتهما عنده لأن المدونة تأولت عليهما وصدر بالأول لأن ابن رشد ضعف القول الثاني فإنه قال في آخر شرح هذه المسألة: وأما الاعتبار بالاستيطان فلا وجه له انتهى.
تنبيهات: الأول: علم من كلام المدونة وكلام ابن رشد أن هذا الخلاف إنما هو إذا كانت غيبة الأب عن ابنته غيبة انقطاع بمعنى أنه طالت إقامته بحيث لا يرتجى قدومه بسرعة غالبا، وأما من خرج لحاجة أو تجارة ونيته العود ولم تطل إقامته فلا تزوج ابنته، وصرح بذلك الرجراجي وابن الحاجب وغيرهما. وربما يستروح ذلك من قول المصنف وتأولت أيضا بالاستيطان. قال الرجراجي: غيبة الأب عن ابنته البكر على وجهين: غيبة انقطاع وغيبة ارتجاع.
وغيبة انقطاع بمعنى الغلبة والاضطرار أو على معنى الترفه والاختيار. فإن كانت على معنى الغلبة والاضطرار كالأسير، فإن كانت البنت في حرز وتخصيص ونفقة جارية ولم تدع إلى النكاح فلا تزوج في غيبة إذ لا يجبرها سواه، وإن دعت إلى النكاح زوجت إن كانت بالغة، وإن كانت في غير حرز وتحصين أو كانت في حرز ولا كفاية ولا مؤنة معها فإنها تزوج إذا خشي عليها الفساد والضيعة دعت إلى النكاح أم لا. وإن كانت غيبة الانقطاع على معنى الترفه والاختيار فلا يخلو من أن تعلم حياته أو تجهل، فإن علمت حياته وكان موضعه قريبا فلا خلاف أنه لا يفتات عليه في إنكاح بناته، دعون إلى ذلك أم لا، إلا أن يتبين ضرره بهن فيكون كالعاضل فإن الامام يتقدم إليه، إما أن يزوجها وإلا زوجها عليه الامام. وإن كان بعيد الغيبة كالأندلس من المدينة فالمذهب على قولين: أحدهما أنها تزوج بلا تفصيل وهو ظاهر المدونة. والثاني أنها لا تزوج إلا أن يخشى عليها الفساد والضيعة وهو ظاهر قول مالك في كتاب محمد. وإن جهلت حياته فظاهر المذهب الامام ينظر لها ويعقد عليها. ولمالك في كتاب محمد أن الأخ يزوجها برضاها. وهذا الخلاف مبني على الخلاف في المفقود، هل حكمه حكم الحي أو الميت.
وأما إن كانت غيبة الأب غيبة ارتجاع كمن خرج لتجارة أو لطلب حاجة لا إشكال في
(٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 ... » »»
الفهرست