مالك رحمه الله في كتاب النذور من المدونة عن إمامنا إمام دار الهجرة مالك رضي الله عنه ونصه: وأعظم مالك أن يشرك مع الحجبة في الخزانة أحد لأنها ولاية من النبي (ص) إذ دفع المفتاح لعثمان بن طلحة انتهى. قال القاضي عياض في التنبيهات: الخزانة بكسر الخاء أمانة البيت انتهى. فالشريف النسابة يقول: إنه درج عقبهم في زمان هشام بن عبد الملك وقد مات هشام في سنة خمس وعشرين ومائة، وصريح كلام مالك أنهم موجودون في زمنه وقد عاش مالك إلى سنة تسع وسبعين ومائة، ولا شك أنه أدرك زمن هشام بن عبد الملك، فإنه رضي الله عنه ولد بعد التسعين في المائة الأولى وخلافة هشام نحو العشرين سنة، فلو وقع ذلك في زمن هشام لما خفي على مالك لأن مثل هذا الامر مما تتوفر الدواعي على نقله فلا يخفى على العوام فضلا عن العلماء، ولو وقع ذلك لتنازعت قريش في ذلك وكانوا أحق به من غيرهم، ولنقل ذلك المؤرخون في كتبهم ولم نقف عليه في كلام أحد منهم، بل الموجود في كلامهم خلافه كما ستقف عليه. وقد تلقى أصحاب مالك جميعهم ما ذكرناه عنه بالقبول ونقلوه في متونهم وشروحهم ولم ينكره أحد منهم، بل نقل عن مالك جماعة من العلماء من غير أهل مذهبه وتلقوه كلهم بالقبول، ومن ذلك ما وقع في كلام أبي الوليد الأزرقي وأبي عبد الله محمد بن إسحاق الفاكهي المكيين مؤرخي مكة في غير موضع من تاريخهما، فمن ذلك ما تقدم في كلامهما أن ولد عثمان كانوا بالمدينة دهرا ثم قدموا وحجبوا مع بني عمهم شيبة بن عثمان. وقد بين الفاكهي أن ذلك كان في ولاية أبي جعفر المنصور وهو بعد هشام بن عبد الملك لأن أبا جعفر من بني العباس وهشام من بني أمية. ومن ذلك أيضا ما ذكره الأزرقي في كتاب العهد الذي كتب بين الأمين والمأمون ابني هارون الرشيد وفيه شهادة جماعة من الحجبة ولفظ الفاكهي كان الشهود الذين شهدوا في الشطرين من بني هاشم فلان وفلان وسماهم ثم قال: ومن أهل مكة من قريش من بني عبد الدار بن قصي وسمى الجماعة الذين سماهم الأزرقي وتاريخ الكتاب المذكور في سنة ست وثمانين ومائة. ومن ذلك ما ذكره الأزرقي في عمل أبي جعفر المنصور في المسجد الحرام فقال: وكان الذي ولي عمارة المسجد الحرام لأمير المؤمنين أبي جعفر زياد بن عبد الله الحارثي وهو أمير مكة، وكان على شرطته عبد العزيز بن عبد الله بن مسافع الشيبي جد مسافع بن عبد الرحمن. ومن ذلك أيضا ما ذكره الأزرقي لما تكلم على الذهب الذي في المقام فقال: حدثني جدي قال: سمعت عبد الله بن شعيب بن شيبة بن جبير بن شيبة يقول: ذهبنا نرفع المقام في زمن المهدي فانثلم إلى آخر القصة. فهذا صريح في وجودهم في خلافة المهدي وهو ولد أبي جعفر المنصور، ومات في سنة تسع وستين ومائة. ومن ذلك أن الأزرقي والفاكهي رحمهما الله لما ذكر أرباع مكة ذكرا جملة من رباع بني عبد الدار ولم يذكرا أنها انتقلت إلى غيرهم كما هي عادتهما، وفي كلامهما مواضع كثيرة تدل على ذلك، والأزرقي كان موجودا بعد الأربعين ومائتين، والفاكهي كان موجودا
(٥٠٩)