مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٤ - الصفحة ١٤٠
في الحاضرة غير مسلم أيضا لما ذكرنا، وقول القرافي المضيق في الشرع مقدم على ما وسع فيه والموسع فيه في زمان محصور كالصلاة مقدم على ما غياه بالعمر كالكفارات، وما رتب على تاركه القتل مقدم على ما ليس كذلك ليس في الصلاة في الصورة المفروضة ما يقتضي تقديمها على الحج إلا كونها ترتب على تاركها القتل، وأما ما قبل ذلك فإن الحج يشاركها فيه لأنه قد استحق ذلك الوقت وصار مضيقا بحيث لا يجوز فيه الاشتغال بغيره، والصلاة الحاضرة تشاركه في ذلك لكن يترجح تقديم الحج بأن الشرع يراعي ارتكاب أخف الضررين، وبأن ما يترتب في الذمة ولا يمكن الخلاص منه إلا بعذر من بعيد ينبغي أن يقدم على ما يمكن قضاؤه بسرعة كما قاله ابن رشد. ويرجح أيضا تقديم الحج أن القرافي قرر في الفرق المذكور أن صون الأموال يقدم على العبادات، فيقدم صون المال في شراء الماء للوضوء والغسل إذا رفع في ثمنه على العادة على فعلهما، ويقدم إسقاط وجوب الحج إذا خيف على النفس أو المال على إيجاب فعله. ولا شك أن في تفويته إتلافا للمال المصروف في القضاء وفي الخلاف على النفس كما سيأتي في كلام ابن عبد السلام في التنبيه الذي بعد هذا وهو الذي يؤخذ من كلام المتقدمين، فإن كلام ابن المواز وابن عبد الحكم الذي نقله صاحب النوادر وابن يونس شامل للفائتة والحاضرة، وكل واحد منهما قدم الحج عند تحقق المزاحمة ووجود الضرورة أعني المشقة المترتبة على القضاء. ورأي ابن المواز أن مع البعد لا تتحقق المزاحمة لحصول الشك في الادراك، ورأي ابن عبد الحكم أن المرجح إنما هي الضرورة وهي إنما تحقق في الآفاقي، وغيره يرجح التقديم بغيرها مما تقدم ذكره من براءة الذمة بوجود مطلق الضرورة فتأمله والله أعلم.
الرابع: اعترض ابن بشير على الشيخ عبد الحميد في قوله تصلى كصلاة المسايف بأنه قياس مع عدم تحقق وجود الجامع لأن المشقة في الأصل خوف إتلاف النفس وفي الفرع خوف إتلاف المال، وبأنه قياس على الرخص. وأجاب ابن عبد السلام عن الأول بأن الاسفار الشاقة مع بعد المسافة يخشى معها على النفس مع ضميمة إتلاف المال، ففي الفرع ما في الأصل وزيادة فيعود إلى قياس الأحرى وعن الثاني بأن القياس على الرخص المختلف في قبوله إنما هو إذا كان الأصل المقيس عليه منصوصا عليه في الشريعة أما إذا كان اجتهاديا فلا نسلم انتهى.
قلت: وذكر ابن عرفة اعتراض ابن بشير ولم يرده ولا ذكر أنها تصلى عند الخوف على المال ولا ذكر كلام ابن عبد السلام، وهذا تسليم منهم أن صلاة المسايفة إنما تصلى عند الخوف عن النفس. والذي يفهم من كلامهم في كتاب الصلاة أنها تصلى عند الخوف على المال لأنهم قالوا: إنها تصلى عند الخوف من اللصوص واللص إنما يطلب المال غالبا والله أعلم.
الخامس: تقدم أن اللخمي قال: يقدم الحج ولا بأس بذكر كلامه كما تقدم الوعد به
(١٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 ... » »»
الفهرست