وقال القرافي في الفرق التاسع بعد المائة في بيان الواجبات لحقوق التي تقدم على الحج ما نصه: وكذلك يقدم ركعة من العشاء على الحج إذا لم يبق قبل الفجر إلا مقدار ركعة للعشاء أو الوقوف. قال أصحابنا: يفوت الحج ويصلي. وللشافعية أقوال: يقدم الحج لعظم المشقة. وقيل: يصلي وهو يمشي كصلاة المسايفة. والحق هو مذهب مالك رحمه الله أن الصلاة أفضل وهي فورية إجماعا انتهى. وقبله ابن الشاط. وقال الشيخ أبو عبد الله بن الحاج في المدخل: وقد اختلف علماؤنا في الحاج يأتي مراهقا ليلة التحرير يريد أن يدرك الوقوف بعرفة قبل طلوع الفجر ثم يذكر أنه لم يصل صلاة العشاء، فإن اشتغل بالصلاة فات الوقوف، وإن وقف خرج وقت العشاء على أربعة أقوال: قول يصلي ويفوت الحج، والثاني عكسه، والثالث يفرق بين أن يكون حجازيا فيقدم الصلاة أو آفاقيا فيقدم الوقوف، والرابع يصلي كصلاة المسايف والمشهور الأول انتهى. وحكى ابن بشير ثلاثة أقوال: القول بتقديم الصلاة، وقول ابن عبد الحكم، وقول الشيخ عبد الحميد. واعترض عليه بما سيأتي ذكره إن شاء الله قريبا، ولم يشهر شيئا منها إلا أنه قدم القول بتقديم الصلاة. وفرض ابن معلى لمسألة فيمن نسي صلاة وذكر قول ابن المواز وابن عبد الحكم وعبد الحميد ثم ذكر كلام القرافي في قواعده وفي هذا تخليط، لأن القرافي إنما قاله في الصلاة الحاضرة، وكذلك التادلي ذكر كلام الذخيرة أولا ثم ذكر كلام ابن بشير والتحرير ما ذكرناه فتأمله.
الثالث: إذا علمت ذلك فلا ينبغي أن يحمل قول المصنف وصلى ولو فات على ظاهره وأنه يقدم الصلاة على الحج مطلقا ولو كانت منسية خرج وقتها على الحج كما قد يتبادر من كلام الشارح لأن هذا القول لم نقف عليه، بل الكلام في تقديم الصلاة إذا كانت حاضرة، فقد اختار اللخمي تقديم الوقوف مطلقا. وقال صاحب الطراز: الوجه عندي أن يشتغل بالحج لأنه قد تعين بالاحرام وهو يفوت فعله والصلاة وقت قضائها متسع، ولو كانت صلاة تلك الليلة لم يبعد أن يقول الحج المتعين أولى به، ألا ترى أنه يؤخر المغرب ويعجل العصر مع الامكان إظهارا لمزيته وتنبيها على رتبته دون رتبة الصلاة ولما في قضائه من كبير المضرة حتى راعى ذلك جمهور العلماء إذا غم الهلال فوقف الناس يوم النحر وقالوا: يجزيهم وإن لم يكن يوم عرفة انتهى. وتقدم في كلام ابن رشد أنه إنما تقدم الصلاة على القول بالتراخي، وأما على القول بالفور فهما فرضان تزاحما في وقت واحد إلى آخر كلامه.
قلت: وقوله أنهما فرضان تزاحما ظاهر وقوله إن ذلك إنما يأتي على القول بالفور غير ظاهر لأن الفور والتراخي إنما ينظر فيه قبل الدخول في الاحرام، أما بعد الدخول في الاحرام فقد صار إتمامه فرضا على الفور إجماعا، بل لو كان تطوعا وجب عليه إتمامه على الفور، ولو أفسده وجب قضاؤه على الفور فالوقت مستحق للحج والصلاة معا. وقول ابن بشير في توجيه تقديم الصلاة ولاستحقاقها الوقت، وقول ابن عبد السلام إنه جيد على فرض المسألة