مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٣ - الصفحة ٧٥
لما ذكر المفاسد المرتبة على البناء في المقابر: الثالث وهو أكبر وأشنع مما تقدم ذكره، وذلك أن العلماء قد اتفقوا على أن الموضع الذي يدفن فيه المسلم وقف عليه ما دام منه شئ موجودا فيه حتى يفنى، فإذا فني حينئذ يدفن غيره فيه، فإن بقي شئ من أعضائه فالحرمة قائمة بجميعه ولا يجوز أن يحفر عليه ولا يدفن معه غيره ولا يكشف عنه اتفاقا إلا أن يكون موضع فقره قد غصب انتهى. وفي نوازل ابن رشد: سئل عن رجل دفن أربعة من الأولاد في مقبرة من مقابر المسلمين، فلما كان بعد عشرة أعوام من دفنه إياهم غاب الرجل عن البلد فجاء الحفار فحفر على قبر أولئك الأطفال قبرا لمرأة ودفنها فيه، ثم جاء الولد من سفره بعد دفن المرأة بثلاثين يوما ولم يجد لقبر بنيه أثرا غير قبر المرأة، فأراد نبشها وتحويلها إلى موضع آخر ليقيم قبور بنيه على ما كانت عليه، هل لك ذلك أم لا؟ فأجاب: بأن قال: لا يجوز أن ينبشها وينقلها عن موضعها ولا يحل ذلك لأن حرمتها ميتة كحرمتها حية، ولا يحل له أن يكشفها ويطلع عليها وينظر إليها ولو كان ذا محرم لها لما ساغ له ذلك منها بعد هذه المدة إذ لا يشك في تغييرها فيه وبالله التوفيق. وتقدم في كلام اللخمي شئ من ذلك. وقال المازري في شرح التلقين في آخر باب الجنائز: وللميت حرمة تمنع من إخراجه من قبره إلا لضرورة كما ذكرنا من نسيان الصلاة عليه على الاختلاف المذكور فيه، وإلحاق دفن آخر معه بأبواب الضرورة المبيحة لاخراجه يفتقر إلى نظر آخر وبسط طويل. وقال البرزلي في أوائل الجنائز: وسئل اللخمي عن نقل الميت بعد الدفن. فأجاب أنه ليس يحسن ولا يبلغ به تأثيم فاعله انتهى.
مسألتان: الأولى: الجلوس على القبر جائز عندنا. قال المازري في شرح التلقين: السؤال الثالث هل يجلس على القبر؟ والجواب: أن يقال: عندنا الجلوس على القبر جائز. وكره الشافعي أن يجلس عليه أو يطأه أو يتكئ عليه. وقال ابن حبيب: يكره الدخول إلى المقابر بالنعال ولا يكره بالخفاف والشمسكات، وحجة الشافعي الحديث في النهي عن الجلوس على القبر، ونحن نتأول النهي على أنه عن الجلوس لقضاء الحاجة، كذلك قال ابن حبيب: فسره مالك قال: ولا بأس بالمشي على القبر إذا عفا، فأما وهو مسنم والطريق دونه فلا أحب ذلك لأن في ذلك تكسير تسنيمه وإباحته طريقا انتهى. ونقله ابن ناجي في شرحه على المدونة وزاد بعده. قلت: ويجوز المشي على القبور بالنعال وغيره ولا يحتاج أن يكون عليه سراويل والله أعلم انتهى.
(٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 ... » »»
الفهرست