إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ٤ - الصفحة ٢٢٩
بالشهادتين إما خبر أو إنشاء، فإن كان خبرا فخبره غير مقبول، وإن كان إنشاء فهو كعقوده وهي باطلة. وأما إسلام سيدنا علي رضي الله عنه فقد اختلف في وقته، فقيل إنه كان بالغا حين أسلم - كما نقله القاضي أبو الطيب عن الامام - وقيل إنه أسلم قبل بلوغه - وعليه الأكثرون - وأجاب عنه البيهقي بأن الاحكام إنما صارت معلقة بالبلوغ بعد الهجرة. قال السبكي: وهو الصحيح. (قوله: فلو أقر أحدهما) أي المحكوم عليه بالاسلام تبعا للسابي، أو المحكوم عليه به تبعا لاحد الأصول، (وقوله: فهو مرتد من الآن) أي من وقت إقراره بالكفر، لا كافر أصلي، وحينئذ يستتاب، فإن تاب ترك، وإلا قتل - كما مر -. (قوله: ولا إمام أو أمير) أي أمير جيش. (قوله: خيار في أسير كامل) أي من الكفار الأصليين: أما إذا كان من المرتدين، فلا خيار فيه بل يطالبه الامام أو الأمير بالاسلام فقط. (قوله: ببلوغ الخ) متعلق بكامل: أي أن كماله يكون ببلوغ وعقل وذكورة وحرية، فإن لم يكمل بما ذكر بأن كان صبيا، أو مجنونا، أو أنثى، أو خنثى، أو رقيقا، فلا خيار فيه، بل يسترق بمجرد الأسر فقط، كما مر. (قوله: بين أربع خصال) متعلق بخيار: أي هو مخير بين أربع خصال، وهذا بالنسبة لغير المبعضين، أما هم فيتخير فيهم الامام بين ثلاثة أشياء فقط، كما مر. (قوله: من قتل الخ) بيان للأربع الخصال، ثم إن محل القتل إذا كان فيه إخماد شوكة الكفار وإعزاز المسلمين وإظهار قوتهم. (وقوله: بضرب الرقبة لا غير) أي لا بتحريق وتغريق ولا بغير ذلك من أنواع القتل. (قوله: ومن عليه) أي إنعام عليه، وهو معطوف على قتل. (وقوله: بتخلية سبيله) متعلق بمن: أي من عليه بتخلية سبيله بفكه وإطلاقه من الأسر من غير مقابل، ويفعل ذلك الامام إذا كان فيه إظهار عز المسلمين. (قوله: وفداء) معطوف على قتل أيضا - وهو بكسر الفاء مع المد أو بفتحها مع القصر - (وقوله: بأسرى منا) أي برد أسرى من المسلمين إلينا، ومثلهم الذميون. والمراد يدفع لهم أسراهم، ويدفعون إلينا أسرانا. (قوله: أو مال) معطوف على أسرى: أي أو فداء بأخذ مال منهم سواء كان من مالهم أو من مالنا تحت أيديهم. (قوله: فيخمس) أي المال الذي نأخذه كبقية أموال الغنيمة. (قوله: أو بنحو سلاحنا) معطوف على بأسرى، أي أو فداء بأخذ نحو سلاحنا الذي أخذوه منا. (قوله: ويفادي سلاحهم بأسرانا) يعني نعطيهم سلاحهم الذي أخذناه منهم برد أسرانا إلينا. (قوله: لا بمال) أي لا يفادى سلاحهم الذي أخذناه بدفع مال إلينا. قال في التحفة: إلا إن ظهرت فيه مصلحة لنا ظهورا تاما لا ريبة فيه، فيجوز ويفرق بينه وبين منع بيع السلاح لهم مطلقا: أي ولو ظهرت مصلحة فيه، بأن ذلك فيه إعانتهم ابتداء من الآحاد، فلم ينظر فيه لمصلحة، وهذا أمر في الدوام يتعلق بالامام، فجاز أن ينظر فيه إلى مصلحة. اه‍. بزيادة. (قوله: وإسترقاق) معطوف على قتل أي ومن إسترقاق: أي ضرب الرق ولو لوثني أو عربي، أو بعض شخص إذا رآه مصلحة، ولا يسري الرق إلى باقيه على الأصح فيكون مبعضا. (قوله: فيفعل الخ) مفرع على قوله ولامام خيار الخ. وأشار به إلى أن التعبير بالخيار فيه مسامحة، لأنه إنما يكون عند استواء الخصال. (قوله: الاحظ للمسلمين) أي الأصلح والأنفع للمسلمين: أي وللاسلام، وذلك لان حظ المسلمين ما يعود إليهم من الغنائم وحفظ مهجهم، ففي الاسترقاق والفداء حظ للمسلمين، وفي المن والقتل حظ للاسلام. هذا إن ظهر له الاحظ، فإن لم يظهر له حبسهم حتى يظهر له الاحظ فيفعله، لآنه أمر راجع إلى الاجتهاد لا إلى التشهي، فيؤخر لظهور الصواب.
تنبيه: قال في التحفة: لم يتعرضوا فيما علمت إلى أن الامام لو اختار خصلة له الرجوع عنها أولا، ولا إلى أن اختياره هل يتوقف على لفظ أو لا؟ والذي يظهر لي في ذلك تفصيل لا بد منه. أما الأول فهو أنه لو اختار خصلة ظهر له بالاجتهاد أنها الاحظ. ثم ظهر له به أن الاحظ غيرها، فإن كانت رقا لم يجز له الرجوع عنها مطلقا، لان الغانمين وأهل الخمس ملكوا بمجرد ضرب الرق، فلم يملك إبطاله عليهم، أو قتلا جاز له الرجوع عنه تغليبا لحقن الدماء ما أمكن، وإذا جاز رجوع مقر بنحو الزنا بمجرد تشهيه وسقط عنه القتل بذلك، فهنا أولى، لان هذا محض حق الله تعالى، وذاك
(٢٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 ... » »»
الفهرست