الذنوب والأوزار، وقد رميتها في طاعتك بالاقرار، إنك أنت الكريم الغفار. وأما الحكمة في الذكر عند المشعر الحرام، وما فيه من الأجور العظام: فكأن الحق تعالى يقول: اذكروني أذكركم، من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملا ذكرته في ملا خير من ملئه، فإذا ذكرتموني عند المشعر الحرام ذكرتكم بين ملائكتي الكرام، وكتبت لكم توقيع الأمان من حلول الانتقام. وأما الحكمة في حلق الرأس بمنى، ففيه حكمة يبلغ بها العبد جميع المنى، وذلك أن فيه يقظة وتذكيرا لا يفهمهما إلا من كان عالما نحريرا، لان الحاج إذا وقف بعرفة، وذكر الله عند المشعر الحرام، وضحى بمنى، وحلق رأسه، وطهر بدنه من الأدناس والآثام: كتب الله عز وجل له ثوابا، وضاعف له أجورا، ووقاه جحيما وسعيرا، وجعل له بكل شعرة يوم القيامة نورا، وأعطى توقيع الأمان - كما قال تعالى في كتابه المكنون: * (محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون) * (2). وأما الحكمة في الطواف، وما فيه من المعاني والالطاف: فإن الطائف بالبيت يقول بلسان حاله عند دعائه وابتهاله: سيدي، أنت المقصود، وأنت الرب المعبود، أتيت إليك مع جملة الوفود، وطفت ببيتك المشهود، وقمت ببابك أرجو الكرم والجود، وقد سبق خطابك لخليلك الأمين في محكم كتابك المبين: * (وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود) * (3). وأما الحكمة في الوقوف بعرفات وما فيه من المعاني البديعة الصفات، فإن فيه تنبيها وتذكيرا بالوقوف بين يدي الحق سبحانه وتعالى يوم القيامة حفاة عراة مكشوفي الرؤوس، واقفين على أقدام الحسرة والندامة، يضجون بالبكاء والعويل، ويدعون مولاهم دعاء عبد ذليل، فلله در أقوام دعاهم مولاهم إلى البيت العتيق، فأجابوا داعي الوجد والتشويق، وساروا إليه مشاة على قدم التصديق، * (وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) * (4).
اه.
(قوله: هو) أي الحج، وهو مبتدأ، خبره القصد. (وقوله: بفتح أوله وكسره) الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير الواقع مبتدأ - على رأي سيبويه - أي هو حال كونه متلبسا بفتح أوله - وهو الحاء - أو كسره، القصد.
والفتح لغة أهل الحجاز، والكسر لغة أهل نجد، وهما لغتان فصيحتان، قرئ بهما في السبع. فبالكسر قرأ حفص وحمزة والكسائي، وبالفتح قرأ الباقون. (وقوله: لغة القصد) أي على ما قاله الجوهري. (وقوله: أو كثرته) أي على ما قاله الخليل. (وقوله: إلى من يعظم) متعلق بالقصد: أي القصد إلى شئ يقصد تعظيمه - كعبة كان أو غيرها - وتعبيره بمن - التي للعاقل - على سبيل التغليب، لان المعظم صادق بالعاقل وغيره، فغلب العاقل على غيره وعبر بمن، وهذا الذي جرى عليه ضعيف، والصحيح أن معناه لغة: القصد مطلقا، إلى من يعظم، وإلى غيره. (قوله: وشرعا: قصد الكعبة للنسك الآتي) أي الافعال الآتية، من إحرام، ووقوف، وطواف، وسعي، وحلق، مع ترتيب المعظم. وهذا التعريف هو الموافق لما هو الغالب من أن المعنى الشرعي يشتمل على المعنى اللغوي وزيادة. ويرد عليه أنه يقتضي أن الحج الشرعي: القصد المذكور، وإن كان ماكثا في بيته. وأجيب عنه بأن المراد القصد المذكور مع فعل الأعمال المذكورة. وعرفه بعضهم بأنه نفس الافعال الآتية، وهذا هو الموافق لقولهم: أركان الحج، وسنن الحج. إذا الأركان:
أفعال. فجعلها أجزاء للحج: يفيد أنه مركب منها، فهو عبارة عن مجموع أفعال. ويمكن أن يقال إن جعلهم إياها أركانا للحج مجاز، لا حقيقة. والمراد أنها أركان للمقصود منه، وهو فعل الأعمال، لا للقصد نفسه الذي هو الحج. (قوله:
وهو من الشرائع القديمة) أي لا من خصوصيات هذه الأمة - كما قيل به - قال القليوبي: ينبغي أن يكون هذا بمعناه اللغوي، أما بهذه الهيئة المخصوصة، فهو من خصائص هذه الأمة. (قوله: وروى أن آدم إلخ) استدلال على كونه من الشرائع القديمة. (وقوله: ماشيا) قيل لمجاهد - أفلا كان يركب؟ قال: وأي شئ كان يحمله؟ (قوله: وأن جبريل إلخ)