إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ١ - الصفحة ٨٩
قالوا: إنه عام خصص بمفهوم ما صح عن النبي (ص) لما سئل عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ فقال: ما فوق الإزار. وذلك المفهوم هو منع الاستمتاع بما تحت الإزار، فيكون التقدير: اصنعوا كل شئ أي مما فوق الإزار. وإنما منع الاستمتاع بما تحت الإزار عندهم لأنه يدعو إلى الجماع، لان من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه. (قوله: حل لها قبل الغسل صوم) أي لان سبب تحريمه خصوص الحيض، وإلا لحرم على الجنب. اه‍ تحفة. ويحل أيضا طلاقها لزوال مقتضى التحريم وهو تطويل العدة. (قوله: لا وطئ) أي أما هو فيحرم، لقوله تعالى: * (ولا تقربوهن حتى يطهرن) * وقد قرئ بالتشديد والتخفيف. أما قراءة التشديد فهي صريحة فيما ذكر، وأما التخفيف فإن كان المراد به أيضا الاغتسال - كما قال به ابن عباس وجماعة، لقرينة قوله تعالى: * (فإذا تطهرن) * - فواضح، وإن كان المراد به انقطاع الحيض فقد ذكر بعده شرطا آخر وهو قوله تعالى: * (فإذا تطهرن) * فلا بد منهما معا. اه‍ إقناع. (قوله: خلافا لما بحثه العلامة الجلال السيوطي) أي من حل الوطئ أيضا بالانقطاع. (قوله: ورابعها) أي الأربعة التي هي موجبات الغسل. وقوله: نفاس قال الشوبري: لا يقال لا حاجة إليه مع الولادة لأنه يستغنى بها عنه، لأنا نقول: لا تلازم. لأنها إذا اغتسلت من الولادة ثم طرأ الدم قبل خمسة عشر يوما فهذا الدم يجب له الغسل، ولا يغني عنه ما تقدم. تأمل. اه‍.
(قوله: أي انقطاعه) يأتي فيه ما تقدم، فلا تغفل. (قوله: وهو دم حيض مجتمع يخرج بعد فراغ جميع الرحم) أي وقبل مضي خمسة عشر يوما من الولادة، وإلا فهو حيض، ولا نفاس لها أصلا. وإذا لم يتصل الدم بالولادة فابتداؤه من رؤية الدم، وعليه فزمن النقاء لا نفاس فيه، فيلزمها فيه أحكام الطاهرات، لكنه محسوب من الستين. كذا قال البلقيني. قال ابن حجر في شرح العباب: ورد بأن حسبان النقاء من الستين من غير جعله نفاسا فيه تدافع. اه‍. وقيل: إن ابتداء النفاس من الولادة لا من الدم، وعليه فزمن النقاء من النفاس. وفي البجيرمي ما نصه: والحاصل أن الأقوال ثلاثة:
ابتداؤه من الولادة عددا وحكما. الثاني: ابتداؤه من خروج الدم عددا وحكما. الثالث: ابتداؤه من الخروج من حيث أحكام النفاس، وأما العدد فمحسوب من الولادة. وهذه الأقوال فيما إذا تأخر خروجه عن الولد وكان بينهما نقاء، وأما إذا خرج الدم عقب الولادة فلا خلاف فيه. وينبني على الأقوال أنه على الأول يحرم التمتع بها في زمن النقاء، ولا يلزمها قضاء الصلاة. وأما على الثاني فيجوز التمتع بها في مدة النقاء، ويجب عليها قضاء، ويجب عليها قضاء الصلوات في مدة النقاء، وكذا على الثالث. اه‍. (قوله: وأقله) أي النفاس. وقوله: لحظة في عبارة: مجة. أي دفعة من الدم، وهي لا تكون إلا في اللحظة. وفي عبارة: لا حد لأقله. أي لا يتقدر بقدر بل ما وجد منه عقب الولادة يكون نفاسا ولو قليلا، ولا يوجد أقل من مجة. فمؤدى العبارات الثلاث واحد. (قوله: وغالبه أربعون يوما) أي بلياليها، سواء تقدمت على الأيام كأن طرقتها الولادة عند الغروب، أو تأخرت كأن طرقتها الولادة عند طلوع الفجر، أو تلفقت كأن طرقتها في نصف الليل. (قوله: وأكثره ستون يوما) أي بلياليها على ما مر.
واعلم أنه قد أبدى أبو سهل الصعلوكي معنى لطيفا في كون أكثر النفاس ستين يوما، وهو أن الدم يجتمع في الرحم مدة تخلق الحمل وقبل نفخ الروح فيه أربعين يوما نطفة، ثم مثلها علقة، ثم مثلها مضغة، فتلك أربعة أشهر. وأكثر الحيض خمسة عشر يوما في كل شهر، فالجملة ستون يوما. وأما بعد نفخ الروح فيه فيتغذى بالدم من سرته لان فمه لا ينتفخ ما دام في بطن أمه كما قيل، فلا يجتمع في الرحم دم من حين نفخ الروح فيه، وأنت خبير بأن ذلك لا يظهر إلا بالنسبة لمن كان حيضها خمسة عشر يوما، إلا أنها حكمة لا يلزم اطرادها.
(٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 ... » »»
الفهرست