هكذا فيقول انى لست بشاعر.
ومما يؤيد ما ذكرنا أن الحكمة في عدم كونه (ص) شاعرا هو الحكمة في كونه اميا وذلك لان كونه اميا ادخل في الاعجاز وادفع لتهمة الخصوم من المشركين انه يأخذ علومه من الكتب وكذلك، قرائته بحيث لايميز الموزون عن غير الموزون ادخل في اخراج نفسه من زمرة الشعراء الذين مبنى كلامهم غالبا على التمويه وخلاف الحقيقة اذ الغالب ان يكون في قالب الموزون للكلام لانه احلى في مذاق الطباع واجذب للميل اليه والاستماع فبذلك يظهر كمال اظهور ان المراد بالشاعرية التى نسبوها اليه هو الاتيان بالكلام المشتمل على المطالب الشعرية والتمويهية لا الكلام الموزون ولا ينافى ما ذكرنا ما روى انه يستمع الشعر ويبحث عنه ولما كانت هذه الحكمة منتفية بالنسبة الى امير المؤمنين واولاده (ع) انشدو الاشعار الموزونة من عندهم وتمثلوا بأشعار الغير بل وقد كان (ع) يحاكم بين اشعارهم ففى نهج البلاغة انه (ع) سئل عن اشعر الشعراء فقال: ان القوم لم تجروا في حلبة يعرف الغاية عند قصبتها فان كان ولا بد فالملك الضليل.
قال السيد (ره) يريد امرؤ القيس. وقال ابن ميثم (ره) وأراد انهم لم يقولوا الشعر على نهج واحد حتى يفاضل بينهم بل لكل منهم خاصة يجيد فيها وينبعث فيها تجربته. فواحد بالرغبة وأخر في الرهبة وأخر في النشاط والطرب ولذلك قيل اشعر العرب امرؤ القيش اذا ركب والاعشى اذا رغب والنابغة اذا رهب.
واستعار لفظ الحلبة وهى القطعة من الخيل يقرن للسياق للطريقة الواحدة وانما حكم لامرئ القيس بذلك في جودة شعره لا في اكثر حالاته وسمى ضليلا لقوة ضلالته وفسقه.
وقال في القاموس " امرؤ القيس الملك الضليل الشاعر، سليمان بن حجر رافع لواء الشعر إلى النار " وقال: الضليل: السكيت الكبير الضلال.
وقد ظهر مما ذكرنا ان الاحتمالات في الآية الثاثة: الاول: ان يكون المراد ان الشعراء اغلب اشعارهم مشتمل على الكذب والتمويه الباطل انهم مذمومون وانهم يقولون ما لا يفعلون الا شعراء المؤمنين الذين تمويهاتهم وارتكابهم الهجاء لاجل الانتصار والدفع عن نبيهم وعن انفسهم وعن المسلمين فيكون الاستثناء متصلا.