المؤمنين الذين يتبعون الحث فانهم وان اتوا بالهجو ومثله فانما هو للانتصار والدفع عن انفسهم وعن نبيهم. ومن جملة ما ذكر ما وقع في سورة الحاقة حيث قال تعالى " فلا اقسم بما تبصرون وما لا تبصرون. انه لقول رسول كريم. وما هو بقول شاعر قليلا ما يؤمنون. و لا بقول كاهن قليلا ما تذكرون، تنزيل من رب العالمين. ولو تقول علينا بعض الاقاويل لاخذنا منه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين. فما منكم من احد عنه حاجزين ".
اقول: وفى هذا الكلام المعجز النظام نكات غريبة ودقايق عجيبه يعجز عنه الافهام و فيه اشارة الى ما ذكرنا من المرام حيث قال تعالى شانه " وما هو بقول شاعر " ولم يقل و ليس شعرا. لوضوح انه ليس بشعر ومن البعيد غاية البعدان يكون مراد المشركين ايضا ذلك بل مرادهم ان مقاصد كلماته شعريات لا حقيقة لها فهذا القول من باب اقوال الشعراء الذين مبنى كلامهم غالبا على الشعريات والتمويهات. وكك مرادهم من ان اقواله اقوال الكهنة الذين يخبرهم الشياطين وكلماتهم ممزوجة بالكذب. ثم من عجايب لطف الله تعالى في ارشاد عباده انه يخاطبهم بانفسهم استمالة لقلوبهم وتنزيها لاوهامهم عن التوهم، استظهاره لنبيه وتبعيد المشركين عن ساحة عزه وارائهم ان نبيه (ص) ايضا مثلهم في انه لو تخطاء عن سبيل الرشد فهو ايضا يؤاخذ اشد المؤاخذة حيث قال " ولو تقول علينا بعض الاقاويل لاخذنا منه باليمين " الى ان قال " فما منكم من احد عنه حاجزين " حيث جعله في طرف البينونة الى حد يرحم عليه اعدائه في الشفاعة ولا يقبل منهم حتى لا يتهموه ولا يتوحشوا من جنابه تعالى. وزادهم بذلك امالة وتخويفا فانهم ما كانوا ينكرونه تعالى رأسا. بل هم كما ذكر ممن ورد في شانهم " ولئن سئلتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله " ولما كان تفرده (ص) بدعوى النبوة والرياسة ودعويهم الى اتباعه كان ثقيلا على طبايعهم فدعى نفوسهم الشريرة اياهم الى المباينة والمعاندة وان يكونوا معاندين له تعالى فخاطبهم بنفسه وبانفسهم وجعل رسوله ايضا من جملتهم في التخويف والترهيب فقال ان القران " هو قول رسول كريم " على صيغة النكرة الموصوفة قبالا لقولهم انه قول شاعر او كاهن سواء قلنا ان مراده تعالى في نفس الامر هو النبى (ص) او جبرئيل وليس بقول شاعر ولا بقول كاهن ولعل النكتة في