واقع التقية عند المذاهب والفرق الإسلامية من غير الشيعة الإمامية - ثامر هاشم حبيب العميدي - الصفحة ٦٩
بالإنكار عليهم غالطهم بعد في أن قسم أمره إلى كذب وصدق، وأبدى ذلك في صورة احتمال ونصيحة، وبدأ في التقسيم بقوله: (وإن يك كاذبا فعليه كذبه) مداراة منه، وسلوكا لطريق الإنصاف في القول، وخوفا إذا أنكر عليهم قتله أنه ممن يعاضده وينصره، فأوهمهم بهذا التقسيم والبداءة بحالة الكذب حتى يسلم من شره، ويكون ذلك أدنى إلى تسليمهم (1).
وهذا الكلام متين ومنسجم مع سياق الآيات القرآنية الحاكية لأقوال هذا المؤمن لفرعون وقومه، ولا شك أنه قد أدرك بأن الأسلوب الأمثل لإقناع فرعون - وهو ابن عمه كما مر - بترك ما أراد فعله هو النصح والمداراة، ليكون أقرب إلى الأخذ بأقواله مما لو أعلن إيمانه، فهو قد كذب وقومه نبيا مرسلا جاءهم بالمعجزات والدلائل الدالة على صدقه، فكيف يصدقون بمن هو دونه وعلى دينه؟
ولقد أكد هذا المعنى أبو حيان الأندلسي المالكي (ت / 754 ه‍) بقوله: قال صاحب التحرير والتحبير: هذا نوع من أنواع علم البيان تسميه علماؤنا: استدراج المخاطب.
وذلك أنه لما رأى فرعون قد عزم على قتل موسى والقوم على تكذيبه، أراد الانتصار له بطريق يخفى عليهم بها أنه متعصب له، وأنه من أتباعه، فجاءهم من طريق النصح والملاحظة فقال: (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله)، ولم يذكر اسمه، بل قال : (رجلا) يوهم أنه لا يعرفه، ولا يتعصب له (أن يقول ربي الله) ولم يقل:
رجلا مؤمنا بالله، أو: هو نبي، إذ لو قال شيئا من ذلك لعلموا إنه متعصب، ولم يقبلوا قوله. ثم اتبعه بما بعد ذلك فقدم قوله: (وإن يك كاذبا) موافقة لرأيهم فيه، ثم تلاه بقوله: (وإن يك صادقا)،

(1) الدر اللقيط / تاج الدين الحنفي 7: 458.
(٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 ... » »»