واقع التقية عند المذاهب والفرق الإسلامية من غير الشيعة الإمامية - ثامر هاشم حبيب العميدي - الصفحة ٨٠
إن الاختلاف الحاصل في معنى قوله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) بين أقطاب المفسرين من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم بين ترك النفقة في سبيل الله تعالى للخوف من الفقر، كما ورد عن ابن عباس (ت / ٦٨ ه‍)، وبين ترك الجهاد في سبيل الله تعالى كما ورد عن حذيفة (ت / ٣٦ ه‍)، والحسن (ت / ١١٠ ه‍)، ومجاهد (ت / ١٠٣ ه‍) وقتادة (ت ١١٨ / ه‍)، والضحاك (ت / ١٠٥ ه‍) وغيرهم (١).
لا يعني هذا حصر التهلكة في هذين المعنيين، إذ لا يقيد المعنى بسبب النزول اتفاقا، والعبرة إنما هي بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولهذا فالآية ناظرة - وإن نزلت بسبب مخصوص - إلى كل ما تؤدي عاقبته إلى الهلاك، إلا ما استثني منه بدليل معتبر، كمن يكرهه السلطان الظالم على قتل رجل مؤمن فيأبى، فيقتل، فهذا لا يعد ممن قد ألقى نفسه إلى التهلكة، ولكن لو كان الامتناع عن شرب الخمر يؤدي إلى القتل حتما، فعندها سيكون الممتنع قد ألقى نفسه إلى التهلكة، وهذا ما نبه عليه الإمام الرازي في الآية الثانية عند بيانه مراتب الإكراه، وقد عد الامتثال للمكره واجبا على المكره في مثل هذه الحال، فراجع.
الآية السابعة:
قال تعالى: ﴿وما جعل عليكم في الدين من حرج﴾ (2) لا خلاف في أن أصل الحرج لغة، هو: الضيق (3)، ولا خلاف أيضا في أن التقية لا تحصل إلا من جراء

(١) الجامع لأحكام القرآن ٢: ٣١٦.
(٢) الحج ٢٢: 78.
(3) لسان العرب / ابن منظور 3: 107 حرج.
(٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 ... » »»