الظهرين جمعا صوريا. وفي أي من هذه الصور الثلاث من المشقة عليهم والإحراج لهم ما لا يخفى، وأقل ما يقال في إحدى هذه الصور من التكليف أنه أمرهم بالحضور إلى المسجد في وقت غير محدد ولا معروف لهم، إذ لا أذان قبيل العصر يجمعهم، ولا ساعات عندهم يومئذ يعرفون بها الوقت، بل يلزمهم أن يراعي كل واحد منهم مقدار الظل للشاخص عند الزوال وأن يراقبه إلى أن يزداد الظل للشاخص المعين بمقداره، وقبل هذا الوقت بمقدار أداء الظهر ينبغي أن يكونوا حاضرين في المسجد ليجمعوا جمعا صوريا، وذلك عين الحرج والضيق فكيف يقول (ص): " صنعت ذلك لئلا تحرج أمتي " ويقول الرواة: أراد أن لا يحرج أحدا من أمته؟
وإلى هذا أشار كثير من شراح الصحاح والسنن، ومنهم الزرقاني في (شرح موطأ مالك) ج 1 / 94 قال: وإرادة نفي الحرج تقدح في حمله على الجمع الصوري، لأن القصد إليه لا يخلو من حرج.
سابعا: من المعلوم أن وقوع أي صورة من هذه الصور الثلاث السابقة غير مألوفة للصحابة، وفيها تغيير لكيفية أداء الصلاة سابقا عندهم، وهذا ما يستوجب نقل تلك الكيفية - كما وقت - بالتواتر القطعي، وحينئذ لروى تلك الصورة الغريبة - على الأقل - رواة أحاديث الجمع من الصحابة، ولما لم يرد شئ من ذلك عنهم فضلا عن تواتره علمنا علم اليقين أن الجمع كان حقيقيا لا صوريا، ومعاذ الله أن يكلف النبي أصحابه وسائر أمته إلى يوم القيامة بمثل هذا التكليف الشاذ، بل جعل لهم - بأمر الحكيم الخبير - الوقت موسعا للظهرين من الزوال إلى الغروب،