«الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ» وقال أميرالمؤمنين عليه السّلام: «العلم كثيرٌ فخذوا من كلّ شي ء أحسنه».
قال الشاعر:
قالوا خذ العين من كلّ فقلت لهم | في العين فضل ولكن ناظر العين |
وقال بعض الحكماء في ذلك: انّ الشّجرة لا يشينها قلّة الحمل إذا كانت ثمرتها يانعة، ويجب أن لا يخوض في فنّ حتّى يتناول من الفنّ الذّي قبله بغيته، ويقضي منه حاجته، فازدحام العلم في السمع مضلّة للفهم وعليه قوله تعالى: «الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ» أي لا يجاوزون فنّاً حتّى يحكموه علماً وعملًا، ويجب أن يقدّم الأهمّ فالأهّم من غير اخلال بالترتيب وكثير من النّاس ثكلوا الوصول بتركهم الأصول.
وحقّ الطالب أن يكون قصده من كلّ علم يتحرّاه التبلّغ به الى ما فوقه حتّى يبلغ به النّهاية، والنّهاية هي معرفة اللَّه سبحانه، فالعلوم كلّها خدم لها وهي حرّة، وروى انّه رئي صورة حكيمين من الحكماء في بعض مساجدهم وفي يد احدهما رقعة فيها: ان احسنت كلّ شي ء فلا تظنّن انّك أحسنت شيئاً حتّى تعرف اللَّه وتعلم انّة مسبّب الأسباب وموجد الأشياء. وفي يد آخر: كنت قبل ان عرفت اللَّه أشرب واظمأ حتّى اذا عرفته رويت بلا شرب، بل قد قال اللَّه تعالى - ما قد أشار به إلى ما هو أبلغ من حكمة كلّ حكيم-: «قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ» أي أعرفه حقّ المعرفة. ولم يقصد بذلك أن يقول ذلك قولًا باللّسان اللحمي، فذلك قليل الغنا ما لم يكن عن