بصورة الشمس والقمر من غير علم منهم وإرادة، قال: (ولو كان من جهة المرئي) أي، هذا الظهور لو كان من جهتهم، لعلموا ذلك. فلما لم يكن لهم علم بما رآه يوسف في نومه، علم أنه لم يكن من جهتهم، ولا من جهة يوسف بحسب القصد والإرادة، بل كان الإدراك منه بحسب إعطاء استعداده ذلك في خزانة الخيال. ولم يكن له علم بما رآه، إلا بعد أن وقع، لذلك قال: (قد جعلها ربى حقا). وعلم ذلك يعقوب، عليه السلام، أولا حين قصها يوسف، عليه السلام، فقال: (يا بنى لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا).
(ثم برأ أبناءه عن ذلك الكيد وألحقه بالشيطان). أي، ألحق الكيد بالشيطان وبرأ أبناءه من ذلك الفعل، لعلمه أن الأفعال كلها من الله. ولما كان الشيطان مظهرا للإسم (المضل)، أضاف الفعل السئ إليه. وهذه الإضافة أيضا كيد ومكر: فإن الله هو الفاعل في الحقيقة، لا المظهر الشيطاني. وهو المراد بقوله: (وليس إلا عين الكيد). أي، ليس إسناد الكيد إلى الشيطان أيضا إلا عين الكيد مع يوسف، عليه السلام. وذلك ليتأدب ويتقى بإسناد المذام إلى ما هو مظهره، وهو الشيطان.
(فقال: (إن الشيطان للإنسان عدو مبين). أي، ظاهر العداوة. ثم، قال يوسف بعد ذلك في آخر الأمر: (هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربى حقا). أي، أظهرها في الحس بعد ما كانت في صورة الخيال. فقال له النبي، صلى الله عليه وسلم:
(الناس نيام).) أي، جعل النبي، صلى الله عليه وسلم، اليقظة أيضا نوعا من أنواع النوم، لغفلة الناس فيه عن المعاني الغيبية والحقائق الإلهية، كما يغفل النائم عنها.
(فكان قول يوسف، عليه السلام: (قد جعلها ربى حقا). بمنزله من رأى في نومه أنه قد استيقظ من رؤياه رآها، ثم عبرها، ولم يعلم أنه في النوم عينه) (6) (عينه)