شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٤٩٤
للنفس، إذ بهما تسعى في ميدان لذاتها وشهواتها. فإذا ظهرت وتمت ولادته، رباه الروح الكلى بلبان العلوم اللدنية والمعارف الحقيقية حتى إذا بلغ أشده واستخرج كنزه صار داعيا للنفس وقواها إلى مرتبة الجمع الإحاطي ومقام الاسم الإلهي.
ولم يكن للنفس وقواها استعداد تلك المرتبة الجامعة الكلية لتقيدها بما يعطى استعدادها، فلا يجاب ويسرى العقم في الرجال والنساء، أي، في القوى الفاعلة والمنفعلة التي للنفس، فلا يتولد مولود يكون في مرتبة القلب وكماله، فهو خاتم الأولاد الذين لهم استعداد الكمال وقوة ظهور سر أبيهم فيهم. فإذا قبضه الله بإفنائه فيه بالتجلي الذاتي والانجذاب إليه بشهود نور الجمال الإلهي مع عدم الرد إلى مقام البقاء مرة أخرى، وقبض مؤمني زمانه، وهو القوى الروحانية والقلبية بذلك التجلي، بقى من بقى من النفس وقواها مثل البهائم والحيوانات العجم لعدم استعداده الترقي إلى مقام يترقى إليه القلب. لا يعرفون الظلمة من النور ولا يميزون بين ما يوجب الترح والسرور، فيشتغلون بمقتضى استعدادهم، خيرا كان أو شرا، ويتصرفون بحكم الطبيعة بالشهوة المحضة مجردة عن العقل والشرع اللذين هما النور الإلهي، إذ استعدادهم لا يعطى إلا ذلك. كما يشاهد من أحوال المجذوبين من عدم التميز في الحركات والسكنات والحل والحرمة والعرى والستر. فعليهم يقوم الساعة، وهي القيامة الصغرى 50) هذا بالنسبة

(50) - لأنهم بعد هذا الطور من الوجود لا يلدون انسانا، لأن الإنسان البالغ إلى حد الإنسانية هو الإنسان المنقاد للعقل المنور بنور الشرع، وغيره يعد من الأشرار. وقال، صلى الله عليه وآله: (لا تقوم القيامة إلا على أشرار الناس، وشر الناس من قامت عليه القيامة و هو حي). أدنى مرتبة الإنسانية أن يكون لصاحبها مظهرية تجلى الصفاتي. وإذا بقى النفس في القوة القابلة انحطت عن درجة الإنسانية، ولذا قال الشيخ العربي: (وعلى قدم الشيث يكون آخر المولود وليس بعده ولد فهو خاتم الأولاد). لأن النفس إذا نحط عن مقام الإنسان يلحق بالبهائم، ولذا ورد في الشرائع: أن العالم قبل آدم كان مسكن الجن. الذي عبارة عن القوى الحيوانية الغير البالغة إلى حد الإنسان والواقع في الدرجة الحيوان، ولذا قال الشيخ: (وليس بعده ولد في هذا النوع فهو خاتم الأولاد). وأما خاتم الآباء في النوع الكامل الإنساني هو المهدى الموعود، عليه السلام، على ما صرح به الشارح الكاشاني والشارح التلمساني، الإمام عفيف الدين. والنبي أخبر بأنه، عليه السلام، خليفة الله بلا واسطة بقوله (ص): (إن لله خليفة يملأ الأرض قسطا وعدلا). وبه صرح المحقق الواصل المكمل، صدر القونوي، في كتاب الفكوك واستدل بقوله، صلى الله عليه وآله:
(إذا رأيتم رايات السود فأتوها ولو جثوا، لأن فيها خليفة الله المهديين). على عموم خلافته وإطلاقها. ولأستاذ مشايخنا العظام، آقا ميرزا محمد رضا إصفهانى قمشه‌اى، تعاليق نفيسة في أنواع التجليات ومسألة الولاية على ما حققه الشيخ الأكبر، ابن العربي، في الفص الشيثي. نذكرها في آخر هذا الفص ليظهر أن مراد الشيخ من خاتم الأولياء على ابن أبي طالب، والإمام الخاتم للولاية الخاصة المحمدية، بحسب الزمان، وهو المحمد المهدى، عليهما السلام. وما ذكره الشراح في المقام بعيد عن الحق والحقيقة ومخالف للنص الموجود في كلام الشيخ. وما حققه الشيخ الكبير والشارح الكاشاني موافق لما أختاره الشيخ الأكبر في المقام. (ج)
(٤٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 488 489 490 491 493 494 495 497 498 499 500 ... » »»