بعروق دقاق، وهي تشهي الطعام بحموضتها، وانما سكنت الصفرا في الشق الأيمن، لأنه أشرف الشقين وأحرهما وأتمهما، وكذلك يمين العالم أحر من يساره، أعني بيمينه التيمن وبيساره الجربيا، ولو سكنت الصفرا في أعلى البدن كما سكنت النار في أعلى العالم الكبير ليبس الدماغ وبطلت الحركة والحواس، فربما حدث في الدماغ يبس شديد، فيحدث منه السهر والوسوسة فكيف لو انقلبت الصفرا اليه بكليتها، الباب التاسع في علل الحركة الذاتية والإرادية وفي الدماغ والقلب وعلة العصب والعروق، ان الدماغ ينقسم قسمين وينبت العصب منهما جميعا ويشتبك على جميع أعضاء الجسد، وفي الدماغ ثلاثة أوعية مقدمه ووسطه و مؤخره، فاما مقدمه فهو موضع الخطر والتخاييل وفي أوسطه الفكر وفي مؤخره الحفظ، وعلى الدماغ لباسان، أحدهما رقيق شبيه بالمشيمة وتركيبه من عروق وأوردة، فهو يغذو الدماغ بتلك الأوردة ويقيه أيضا والاخر يلي قحف الرأس شبيه بوقاية له يحفظه، فاما القلب فإنه موضع الحياة والحرارة الغريزة، ومنة تكون الحركة الذاتية الدائمة التي يشبه بحركة النار الملتهبة في جسم كثير الدسومة، وتلك الحركة هي النبض، ولذلك يستدل بالنبض على الصحة والسقم والفرح والحزن والخوف كما انا ذاكره في بابه ان شاء الله، فاما الدماغ ففيه الحس والحركة الإرادية وفيه محل النفس الناطقة، وهو أبرد أعضاء البدن كلها وأرطبها ويصعد اليه من القلب عرقان ثم يشعبان عنده، وانما يسخن بما يرتفع اليه من الحرارة الغريزة التي في القلب فيصير بتلك الحرارة
(٤٣)