الباب الثالث عشر في علة انتصاب الناس من " بين " (1) سائر الحيوان وانفصال اليدين والرجلين " وتشبيه الناس بالعالم الأكبر، " (2) العلة في ذلك أن تركيب الانسان وطبعه أشد اعتدالا من جميع الحيوان ولذلك صار قاهرا لغيره ومدبرا له " بالمنظر " (3) والحيل والرفق، وله مع هذا النفس الناطقة والعقل والاستطاعة التمييز، فهو يستطيع ان يختار الخير و " يسترذل " (4) الشر، وله " التدرب و " الترفق في الآداب والصناعات، وليس ذلك لغيره من الحيوان (الا لبراعه) وفيه مع هذا اجزاء فاضلة من اجزاء الطبيعتين الفاعلتين، فالنارية ترفعه إلى فوق وتنصب بدنه، فاما انفصال الأطراف فان لكل زرع ومادة تقع في الرحم قوة وقدرا من الاقدار قليلا " كان ذلك " أو كثيرا رطبا أو يابسا، فإذا امتدت مادة الزرع في الرحم على قدر قوتها وقفت عند ذلك لان المادة قد انتهت فينفصل حينئذ الجسم من أسفله بشقين (ويتفرع من أعلاه اليدين) وتنشعب في أطراف اليدين والرجلين الأصابع كما تنشعب من الشجرة أغصانها (وتنسطح عليهما الأظفار عرضا لئلا تمتد بالعضل) وهذا القول شبيه بما قال " هيو فقراط " (5) في علة أعضاء الجنين، فاما علة انفصاله بشقين فان ذلك لما فيه من اثر الطبيعتين الفاعلتين، وهذا الانقسام والانفصال موجود بتدبير الله جل ثناؤه في كل بدن وحبة وثمرة وفي كل عضو مثل اليدين والرجلين والعينين والاذنين والكبد والرية و غير ذلك، والشق الأيمن من كل شئ أحر وأقوى " وأكرم من شماله " والشق الأيسر أبرد واضعف، وكذلك أعلى البدن (وأعلى
(٤٨)