القول في غير الحرارة، وإذا عم الناس مرض واحد فالعلة حينئذ ليست من الأغذية بل من فساد الهواء فينبغي ان يلطف ليتغير الهواء و ان يغذو الناس بلطيف الأغذية ويخرج الفضول عن البدن، واعلم أنه إذا وافق سن المريض في مرضه زمان السنة فإنه أسلم له وإذا خالفه فهو أخوف، وذلك أن يعرض الشيخ في الشتاء حمى الغب فيدل ذلك على حرارة محرقة مفرطة جدا، وان عرض كذلك للشباب في الصيف حمى البلغم دل ذلك على برد مخوف، قال أبقراط ان تحويل البدن من حال إلى حال أخرى بعينه ردي، وقال أيضا في مثل ذلك أن انتقال الساعات من الحر إلى البرد أو من البرد إلى الحر يولد أمراضا كثيرة، وقد نرى تدبير الله عز وجل في العالم يصحح قول أبقراط، فإنه جل ذكره يأتي بالربيع المعتدل بعد الشتاء فتنتقل الأبدان من برد شديد إلى حر معتدل ثم يأتي بعد ذلك بحر الصيف ثم يجئ بالخريف المتوسط بين الحر والبرد، ثم بالشتاء وعلى ذلك بنيت الحمامات لئلا يفجأ البدن الحر الشديد بغتة في مدخله ولا البرد في مخرجه الا بعد التدريج فيما بينهما، فينبغي للطبيب ان يترفق في تحويل البدن من حال إلى حال أخرى، فإذا رأى الطبيعة قد قويت على دفع الداء اما باسهال واما بعرق واما بقئ واما برعاف فلا يتعرض للعلاج ولا يمنع الطبيعة من فعلها الا ان يكون ذلك الاسهال والقئ يضعف البدن جدا فيترفق لحبسه، وإذا هاجت علتان مختلفتان فالوجه فيه أن يعالجهما جميعا بأدوية معتدلة وذلك كمن يبرد كبده ويلتهب معدته فيعالج المريض بأدوية معتدلة في الحر والبرد، وينبغي ان يتجنب ادمان الأدوية كلها حارة كانت أم باردة فان ادمان الأدوية والأغذية الحارة ينهك البدن ويلهب الحرارة الغريزية ويورث الغشي والموت، وادمان الأدوية والأغذية الباردة يطفئ الحرارة ويرخى البدن
(١٣٠)