فردوس الحكمة في الطب - إبن سهل الطبري - الصفحة ١٤١
والحركة فإذا غلب الداء هذه الغلبة اشتد علاجه لان القلب و الكبد أيضا انما حسهما وحركتهما منه، وقد بينا فيما تقدم ان الدماغ ينقسم إلى قسمين، وان فيه ثلاثة أوعية، فربما كان الداء في مقدم الدماغ أو في مؤخره أو في اجزائه كلها، وأشدها كلها ما أصاب موضع الفكر والحفظ جميعا، ودون ذلك ما أصاب موضع الحفظ، فإن كان الداء في مقدم الدماغ وهو موضع الفنطاسيا و الخيال يتخيل له ما كان يتخيل لرجل كان يصيح ويزعم أنه يرى في ناحية البيت زمارين ولعابين، وان كان الداء في الجزء الأوسط من الدماغ وهو موضع الفكر اصابه ما أصاب رجلا كان يغلق باب الغرفة على نفسه ويفتح الكوة ويرمي كل شئ في البيت منها إلى الناس، وكان لا يتخيل له شئ كما يتخيل للأول لكنه لم يكن يعقل انه يخطأ فيما يصنع وعلة ذلك من خلط بارد ردي يفسد موضع العقل، ولذلك صارت الهوام ذوات السمام وغيرها في الشتاء تهرب من البرد إلى بطن الأرض، وان كان الداء في مؤخر الدماغ وهو موضع الحفظ عرض له كما عرض لقوم من الروم كانوا في حرب فأصابهم من نتن الجيف ما أفسد حفظهم فلبثوا حينا لا يذكرون أسماء أنفسهم وأسماء آبائهم، وكانوا فيمن فسد دماغه وتغير عقله من يرى أنه من خزف فكان يخاف ان يمسه شئ فينكسر، ومنهم من كان يرى ان السماء يقع عليه فكان يهرب دابيا يصيح، " وكان بعضهم يرى أنه إبل بري ويهرب من الناس وكان بعضهم دياكا فلما تغير عقله جعل يصيح مثل الديكة، وكان في زماننا هذا عدة أصابهم من فساد الدماغ ما لم يسمع مثله، اما أحدهم فإنه كان رجلا نصرانيا أصيب بماله فوجده أصحابه ليلة قد قطع بعض حلقه، وسالت منه الدماء فتداركوه وعالجوه وسألوه عن العلة التي دعت إلي ذلك، فذكر أنه رأى رجالا ونساء قد اجتمعوا حول منزله
(١٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 ... » »»