لأن الحجر يطلب جهة السفل لكونها مركزه إذ كل شيء يطلب مركزه بطبعه فالحجر يسرع انحطاطه إلى السفل من العلو من غير واسطة فكيف إذا أعانته قوة دفاع السيل من عل فهو حال تدحرجه يرى وجهه في الآن الذي يرى فيه ظهره بسرعة تقلبه وبالعكس. ولهذا قال: مقبل مدبر معا يعني يكون إدباره وإقباله مجتمعين في المعية لا يعقل الفرق بينهما.) وحاصل الكلام وصف الفرس بلين الرأس وسرعة الانحراف في صدر البيت وشدة العدو في عجزه. وقيل: إنه جمع وصفي الفرس بحسن الخلق وشدة العدو ولكونه قال في صدر البيت إنه حسن الصورة كامل النصبة في حالتي إقباله وإدباره وكره وفره ثم شبهه بجلمود صخر حطه السيل من العلو بشدة العدو فهو في الحالة التي ترى فيها لببه ترى فيها كفله وبالعكس. هذا ولم تخطرهذه المعاني بخاطر الشاعر في وقت العمل وإنما الكلام إذا كان قويا من مثل هذا الفحل احتمل لقوته وجوها من التأويل بحسب ما تحتمل ألفاظه وعلى مقدار قوى المتكلمين فيه. ومثله أيضا:
* إذا قامتا تضوع المسك منهما * نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل * فإن هذا البيت اتسع النقاد في تأويله: فمن قائل: تضوع مثل المسك منهما بنسيم الصبا ومن قائل: تضوع نسيم الصبا منهما ومن قائل: تشوع المسك منهما تضوع نسيم الصبا وهذا هو الوجه عندي ومن قائل: تضوع المسك منهما بفتح الميم يعني الجلد بنسيم الصبا.
وقال ابن المستوفى في شرح أبيات المفصل: حدثني الإمام أبو حامد سليمان قال: كنا في خوارزم وقد جرى النظر في بيت امرئ القيس: إذا قامتا تضوع المسك منهما