الفضائل والرذائل - المظاهري - الصفحة ٣٥
الطريق، كيف حصل ذلك؟ انه من أثر اليقين.
عندما يترسخ اليقين في القلب، ويترسخ الإيمان في القلب فمن المعلوم أن المرء يشعر باللذة والمتعة عند الوقوف إلى الصلاة وعند الانفاق لحاجة الآخرين.
عندما يعشق المال أحد فلو استفاد في أحد الأيام مليونا وإذا كان بلا دين وقام بالاحتيال مليون مرة فكم سيفرح.
وقد لا ينام من شدة الفرح والارتياح، وذلك لأن يقينه تعلق بالدنيا، وترسخ ظلامها في قلبه، ووصل به حب الدنيا إلى ذلك الحال.
أما ذلك الذي تعلق حبه بالله وبالإسلام وتعلق حبه بأولياء الله، وقد رسخ الإيمان العاطفي في قلبه.
فإنه سوف يكون سعيدا عندما يعطي بيته لغيره رغم حاجته الماسة له من أجل أن يكون الآخر في راحة واطمئنان.
قصة من (احياء العلوم) للغزالي:
يذكر الغزالي في كتابه (احياء العلوم) ان شخصا كتب إلى تاجر يتعامل معه يخبره ان البرد قد أصاب قصب السكر، مما يجعل الطلب على السكر شديدا هذا العام ويطمئنه أن سعر السكر سيكون مرتفعا، وعندما وصلت الرسالة إلى التاجر نزل في سوق الكوفة يشتري السكر ويكدسه في مخزن له، وكان فرحا لما سيجنيه من ربح هذا العام.
وعندما عاد من السوق ليلا وفرغ من ضجيج الدنيا تحرك إيمانه القلبي، وتحركت عاطفته ووجدانه بسبب يقينه وإسلامه فأخذ يلوم نفسه قائلا، أرأيت ما فعلت لقد غششت الناس. هو لم يكن قد غش إذ قد ابتاع السكر بقيمته على أمل ان يرتفع سعره في العام القادم، لكنها كانت خطة للايقاع بالناس.
يقول الغزالي: أصبح التاجر ولم يتمكن البارحة من النوم وعند أذان الصبح وأثناء أداء صلاة الجماعة، أخبر الأشخاص الذين اشترى منهم السكر بتفاصيل الأمر، ولم تكد تطلع الشمس حتى كان قد أكمل الذهاب إلى بيوتهم جميعا، وأخبروه برضاهم وعدم رغبتهم في فسخ المعاملة، فشعر بالارتياح قليلا.
يقول الغزالي: الليلة الثانية وتحت وطأة الضمير لم يتمكن من النوم أيضا، يوجد رواية عن النبي الأكرم (ص) " ليس من المسلمين من غشهم " (7) حيث كان
(٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 ... » »»