الشفاء الروحي - عبد اللطيف البغدادي - الصفحة ٩٣
حاضر وهي الآن بأيدي هؤلاء الملوك والحكام فأطعهم وأيدهم حتى تنال من دنياهم فيستجيب لنفسه وشيطانه فيكون أخيرا عبدا للدنيا ولمن بيده شئ منها بعدما كان عبدا لنفسه وشيطانه، وقطعا كل هؤلاء أعداء له والأعداء شانهم أخيرا الغدر والخيانة كما هو معلوم وبذلك يكون قد خسر الدنيا قبل الآخرة.
وهنا يتجلى لك قول الإمام الحسين (ع) في بقية جوابه: ومن طلب رضا الناس بسخط الله وكله إلى الناس وإذا وكله الله إلى الناس فلا يحظى بعدها إلا بالعناء والتعب وبخسران الدنيا والآخرة.
كما جاء في الحديث القدسي المروي عن الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين (ع): أوحى الله إلى داود (ع): يا داود تريد وأريد ولا يكون إلا ما أريد، فإن سلمت لما أريد أعطيتك مما تريد وان لم تسلم لما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد (1).
وقال رسول الله (ص): من كانت الآخرة همه كفاه الله هم دنياه ومن كانت الدنيا همه وكله الله إليها وقال أمير المؤمنين في بعض خطبه بعد وصفه نعيم الجنة في الآخرة، قال: أقبلوا على جيفة (يعني الدنيا) قد افتضحوا بأكلها واصطلحوا على حبها، ومن عشق شيئا أعشى بصره وأمرض قلبه فهو ينظر بعين غير صحيحة ويسمع بأذن غير سميعة قد خرقت الشهوات عقله وأماتت الدنيا قلبه (أي روحه) وولهت عليها نفسه فهو عبد لها ولمن بيده شئ منها حيثما زالت زال إليها وحيثما أقبلت أقبل عليها لا يزدجر من الله بزاجر ولا يتعظ منه بواعظ وهو يرى المأخوذين

(1) راجع (كتاب التوحيد) للشيخ الصدوق، ص 246.
(٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 ... » »»