وجاء الحق - سعيد أيوب - الصفحة ٢٣
الأقصى الذي باركنا حوله) [الإسراء: 1]، فالميراث بدأت حدوده من موضع سجود، وانتهت إلى موضع سجود، وهو ممتد إلى كل موضع سجود، وليس معنى هذا أن الدعوة الخاتمة تبحث عن الأرض والطين، وإنما معناه أنها ترعى التقوى في أي مكان، وتعمل من أجل الإصلاح في كل مكان، ترعى التقوى لأن العاقبة للمتقين، وتعمل من أجل الإصلاح حتى يرث الصالحون، قال تعالى: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) [الأنبياء: 105].
ولأن الدعوة تقوم على التوحيد، ولأن التوحيد هو الحصن الحصين الذي يحفظ الإنسان من الزلل، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار " (1) وروي أنه صلى الله عليه وآله وسلم ذهب إلى يهود، وقال لهم: " يا معشر اليهود، أسلموا تسلموا "، فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم، فقال: " أسلموا تسلموا "، فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم، فقال: " ذلك أريد "، (أي أريد أن تعرفوا أني بلغت)، ثم قال لهم:
" اعلموا أنما الأرض لله ولرسوله، وأني أريد أن أجليكم من هذه الأرض، فمن وجد منكم بماله شيئا فليبعه، وإلا فاعلموا أن الأرض لله ولرسوله " (2)، فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم بلغ بالاسلام، ولكن القوم كانت عيونهم على الأرض والطين، لأنهم من أجل هذا الميراث يعملون، فوقفوا بما يعتقدون أمام القول الفصل وهو: " اعلموا أن الأرض لله ورسوله "، ولم يكن الجلاء من جزيرة العرب عقابا وحيدا للذين يصدون عن سبيل الله وإنما أنذرهم الله بعقاب أليم في الحياة الدنيا والآخرة، قال تعالى: (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا) [النساء: 47]، قال في .

(1) رواه مسلم، الصحيح: 1 / 93.
(2) المصدر نفسه: 5 / 159.
(٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 ... » »»
الفهرست