فقهيات بين السنة والشيعة - عاطف سلام - الصفحة ٣٧
" المائدة " وكثير من السور وإنما نزلت فيها آية التيمم الواردة في " سورة النساء " في قوله تعالى: (... وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لا مستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا) [النساء / 43].
والرواية في ذلك ثابتة عن عائشة أخرجها الواحدي في كتابه (أسباب النزول ص 113) فراجعه لتكون على بينة من أن القسطلاني قد اشتبهت عليه آية الوضوء بآية التيمم.
سادسا: إن عائشة أم المؤمنين كانت تنكر المسح على الخفين أشد الإنكار وابن عباس - وهو حبر الأمة ووعاء الكتاب والسنة - كان من المنكرين أيضا وقد اشتد كل منهما في رده ودفعه فهذه عائشة تقول: " لئن تقطع قدماي أحب إلي من أن أمسح على الخفين " وهذا ابن عباس يقول:
" لئن أمسح على جلد حمار أحب إلي من أن أمسح على الخفين " وقد نقل هاتين الروايتين الرازي - عند تفسير آية الوضوء - من (تفسيره الكبير) (1). وإننا إذا تأملنا هذه اللهجة الشديدة من الإنكار وجدنا أنها لا تتناسب مع اعتبار هذه الأخبار بل لا تتناسب مع مجرد احترامها وإذا كانت هذه هي أقوال المعاصرين لتلك الأخبار العارفين بصحيحها وسقيمها فكيف يتسنى لنا الركون إليها على بعدنا المديد عنها قرونا طويلة؟! وأن من أمعن النظر - متجردا - في إنكار أم المؤمنين عائشة وعبد الله بن عباس وسائر أئمة أهل البيت عليهم السلام فإنه يضطر إلى الشك في أمر تلك الأخبار. ومن هنا لا يمكن الايقان بتواترها بل إن القول بذلك يعد غلوا ومبالغة وإلا فكيف يجهلها هؤلاء الكرام البررة أو يتجاهلونها؟!
والذي يدل على مدى الشك والريب الذي كان يختلج في النفوس من جراء هذا العمل هو أن الناس كانوا يستغربونه ويرتابون في جوازه حتى أن

(1) التفسير الكبير للرازي: ج 11 ص 163.
(٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 ... » »»
الفهرست