عقائد السنة وعقائد الشيعة ، التقارب والتباعد - صالح الورداني - الصفحة ٩٣
الرضا..؟ وهل يعني هذا أن الرسول له شخصية في الغضب وشخصية في الرضا..؟
ألا يتناقض هذا مع قوله تعالى: (وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى..) النجم / 3 - 4.
قال عبد الله بن الزبير. قلت للزبير: إني لا أسمعك تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله كما يحدث فلان وفلان. قال: أما إني لم أفارقه. ولكني سمعته يقول:
" من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار " (1).
وروى أنس بن مالك.. قال: إنه ليمنعني أن أحدثكم حديثا كثيرا أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " من تعمد علي كذبا فليتبوأ مقعده من النار " (2).
وهذا الموقف من الرواية عن الرسول ليكن ينحصر في الزبير ومالك، إنما موقف كثير من الصحابة.. (3).
ومثل هذا الروايات إنما تشير إلى أن حملة الكذب على الرسول كانت تقوم بنشاطها في حياته وهي قد نشطت بعد مماته. فلا يعقل أن يحذر الرسول من شئ غير ممكن الوقوع. وهذا الكذب بالطبع لا بد من أن يبدأ على لسان قوم ممن احتكوا بالرسول. فلا يدعي أحد أنه سمع رسول الله يقول.. دون أن يكون المتلقي منه يعلم أنه قد عاصره..
وبصورة واضحة محددة فإن الرسول صلى الله عليه وآله كان يحذر من الكذب لعلمه أن هناك من يكذبون عليه من أصحابه، وهم سوف يستمرون في الكذب عليه بعد وفاته، وأن التابعين سوف يتلقون هذا الكذب بالقبول لكونه صادرا عن أناس ثقات عاصروا الرسول.. (4).

(1) البخاري: ج 1 / 200 بهامش فتح الباري وأبو داوود: ج 4 / 63.
(2) المرجع السابق..
(3) روي عن أبي قتادة الأنصاري نفس الرواية، وهو يتبنى نفس الموقف، وكذلك المقداد وطلحة وابن عوف. وتأمل عدد الرويات على لسان أبي بكر في البخاري مثلا..
(4) قضية الكذب كانت واردة في عصر الصحابة، وهناك الكثير من الرويات التي تشير إلى ذلك، إلا أن أهل السنة يؤولون الكذب الوارد فيها على أنه الخطأ.
وهل الكذب ليس بخطأ. انظر لسان العرب مادة " كذب " ويروي مسلم. ج 3 / 1441 قول النبي صلى الله عليه وآله:
كذب من قال ذلك. أي أخطأ م قال ذلك من الصحابة. انظر شرح النووي وقصة غزوة خيبر.
وكذلك قول ابن عباس: كذب نوف حين ادعى أن صاحب الخضر ليس موسى بني إسرائيل. انظر البخاري: ج 9 / 240.
(٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 ... » »»
الفهرست